السبت، 25 أغسطس 2012

و هذا البلد الأمين

مكة المكرمة... 13-20 رمضان 1433 الموافق 1-8 أغسطس 2012

- تلبس كفنك الأبيض المكون من قطعتين بلا مخيط لتتجرد من الدنيا و زخرفها, ثم تنوى العمرة من الميقات و تقول "لبيك اللهم عمرة لا سمعة فيها و لا رياء". النية هى رأس كل عمل فى الإسلام و لو لم تخلص النية لله عزوجل لحبط عملك. فأنت تنوى العمرة لا ليقال لك يا حاج, و لكن لتعظم شعائر الله "ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" هى أحدى الأيات الكثيرة المعلقة بأستار الكعبة. تتسلم الحجر الأسود الذى كان أشد بياضاً من اللبن و سودته خطايا ابن ادم. تقبل الحجر الأسود فإن لم يكن تشير إليه ثم تقول "بسم الله.. الله أكبر" لتعرف ان الله عزوجل أكبر من كل شىء فنحن لا نعبد أحجار و لا نأخذ بركتنا من أحجار و إنما هى الرمزية, كأنما تترك ذنوبك عند هذا الحجر لتبدأ المناسك.

- بعد ذلك تبدء الطواف حول الكعبة و قلبك متوجهاً ناحيتها فى إتجاه عكس عقارب الساعة و كأنك تعود بالزمن إلى الوراء, مرة أخرى هى الرمزية, فنحن لا نعبد أحجار. و كأنك بطوافك هذا تسأل الله عز وجل ان يغفر لك ذنوبك التى مضت. أنت حينما تقرأ هذا الكلام تدور مرغماً, فالأرض التى تسكنها منذ جئت للدنيا تطوف حول نفسها كل يوم مره بلا كلل, و القمر يدور حول الأرض مرة كل 28 يوم, و الأرض تدور حول الشمس مرة كل عام مرة, و الشمس تدور حول مجرة دربة التبانة, و مجرة درب التبانة تدور حول المجرات الأخرى, و الذرات فى جسمك تدورحولها سبع إلكترونات. كل شىء فى الكون يطوف حول من هو أكبر منه, إلا الله عزوجل الواحد الأحد الصمد الوحيد الثابت و الجميع يطوف حوله مسبحاً بحمده و عظيم سلطانه. و كأنك بطوافك هذا تقر بأن كل شىء متحرك إلا الله الواحد الصمد الذى يعود إليه كل شىء.

- بعد أن تنتهى من الطواف تتجه خلف مقام إبراهيم أو إلى أى مكان فى الحرم و ترفع صوتك بالأية الكريمة "وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى. فنحن نعبد الله عزوجل على ملة أبينا إبراهيم فهو الذى سمانا مسلمين. و كأنك من هنا تعلن أننا أمة النبى محمد صلى الله عليه و سلم أولى الناس بإبراهيم, يقول تعالى "مَا كَانَ إِبۡرَٲهِيمُ يَہُودِيًّ۬ا وَلَا نَصۡرَانِيًّ۬ا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفً۬ا مُّسۡلِمً۬ا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ* إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٲهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِىُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ‌ۗ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ"
- تطوف بين الصفا و المروة سبعة أشواط ذهاباً و أياباً بلا توقف. هكذا فعلت هاجر المصرية التى تركها زوجها النبى إبراهيم عليه السلام مع النبى الرضيع إسماعيل بواد غير ذى زرع عند بيت الله المحرم. كانت هاجر تبحث عن ماء أو شىء يسد رمق الرضيع الذى بالتأكيد ألهبته حرارة الشمس و الجوع فى هذا المكان المقفر. أنت تذهب و تجىء بين هذين الجبلين "الصفا و المروة" لتتدبر هذا المعنى العميق التى تركته لنا زوجة النبى إبراهيم. الإسلام دين عمل و عبادة, هذا ما تعلمته من السعى بين الصفا و المروة. أنت تسعى بين الجبلين كسعيك فى الدنيا على الرزق, إن كان لديك اليقين و التوكل على الله أن رزقك مكفول و حتى إن كان الطريق مقفر و مظلم و الحياة صعبة عليك, إن كان لديك يقين بالله عزوجل مثل الذى كان عند هاجر, فالنتيجة مضمونة لا ريب فى ذلك.

- يسبق السعى بين الصفا و المروة, أن تشرب من ماء زمزم و أن تصب منه على رأسك. أنت تشرب الماء قبل السعى لكى ترى نتيجة التوكل على الله. فحينما توكلت هاجر على الله و سعت تبحث عن أسباب الحياة رزقها الله عز وجل هى و أبنها بئر يشرب منه الناس إلى قيام الساعة.

- أنا أنا لا شىء.. أنا أنا لا شىء.. أنا أنا لا شىء. أنا فى المجموع لا شىء, و المجموع فى المجاميع لا شىء, و المجاميع فى سكان الأرض لا شىء, و سكان الأرض فى عدد البشر من لدن أدم و حتى قيام الساعة لا شىء, و الأرض فى مجموعتها الشمسية لا شىء, و المجموعة الشمسية فى مجرتها لا شىء, و مجرتنا فى السماء الدنيا لا شىء, و السماء الدنيا فى السماء الأولى لا شىء, و السماء الأولى فى السماء الثانية لا شىء, و السماء الثانية فى السماء الثالثة لا شىء, و السماء الثالثة فى السماء الرابعة لا شىء, و السماء الرابعة فى السماء الخامسة لا شىء, و السماء الخامسة فى السماء السادسة لا شىء, و السماء السادسة فى السماء السابعة لا شىء, و السماء السابعة فى كرسى عرش الرحمن لا شىء..... و الله أكبر من كل شىء و فوق كل شىء و لا يعلو عليه شىء. لا إله إلا الله , فليس وراء الله مرمى. أأدركت الأن الحقيقة؟؟ أعرفت قدرك و مقامك؟؟ أنت مهما على شأنك و كبر مقامك لا شىء. فى زحام الحرم الشديد أدركت أننى لا شىء و أن لا شىء يبقى إلا وجه الله الكريم. الكل مشغول بنفسه و لا أحد يلتفت لك يا مسكين, الكل مشغول بنفسه إلا الله عزوجل يدبر لك الخير كله. هو مشهد من مشاهد يوم القيامة يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه. فى زحام الحرم يدهس أحدهم قدمك و يمر و ربما لم يلتفت أنه فعل ذلك, و كذلك يوم القيامة سوف يدفع الناس بعضهم دفعاً إلا من رحم الله. اللهم اكتبنا ممن رحمتهم يوم العرض عليك.

على الهامش:
- فى أثناء طوافى ببيت الله العتيق و قرب نهاية الشوط السادس بين الركن اليمانى و الحجر الأسود. مر إلى جانب ذلك الكهل الهندى "على مايبدو من هيئته" و ظل يتمتم بكلام أقرب للنشيج منه للبكاء لم أفهم منه شىء إلا كلمة " يارب" هذا الكهل أبكانى أيما بكاء.

- كانت تضمه إلى صدرها و يبكى كلاهما فى حرقة و لوعة شديدة خلف مقام إبراهيم. يبدو أن المصاب شديد و أن الطلب عزيز و أن الأسباب قد تقطعت بهم و لم يبقى إلا الله. كان مشهد تلك المرأة الأندويسية و أبنها و هما ينتحبان مؤثراً للغاية. حتى و إن تكلما بلغة لم أفهمها أنا أو غيرى, فالله عز وجل يعلم السر و أخفى.

- هو خير أيام الدنيا كما قال النبى صلى الله عليه و سلم. الحر شديد على الرغم من أن الشمس لم تنتصف بعد فى كبد السماء, فعقارب الساعة تقترب من العاشرة بتوقيت مكة. طريق الخليل إبراهيم الذى يصل فنادق الإقامة بالحرم المكى ممتلىء كعادته بأرتال من البشر. ثلاث ساعات تقريباً قبل صلاة الجمعة و الجميع يجد فى السير ليجد له مكان فى الحرم الذى قد أمتلىء عن أخره بزوار بيت الله الحرام. على الرغم من كبر سنها, و على الرغم من أن النساء لم تفرض عليهن صلاة الجمعة. إلا أن الحاجة الجزائرية أصرت على الصلاة و التوجه إلى بيت الله العتيق مستندة إلى كرسيها المتحرك تدفعه أمامها كمسند لها. حينما نظرت إليها أشفقت على نفسى كثير, فكم من الصلوات أضعتها و أنا الشاب الممتلىء بالصحة. لأجل هذا كانت الجنة درجات, فلا يستوى الذين يعملون و الذين لا يعملون.

- بعد صلاة المغرب كنت أتحرك فى الحرم خلف مقام إبراهيم فى مكان إعتدت أن اصلى فيه صلاة العشاء و القيام. لفت إنتباهى جملة قالتها فتاة صغيرة "هكذا يبدو من الصوت" من خلفى  "هذا بيت الله و لا أحد يستطيع أن يمنعنا من زياته" كانت هذه الجملة هامة لأن يعيها الجميع. فلا فضل لأحد فى هذا البيت و الكل عند الله سواء, و يرفع العمل الصالح صاحبه.

- خرج من بيته متوجهاً إلى رحاب الله. لم ألتقه من قبل و لكن المره الوحيدة التى رأيته فيها كانت كافية لأن يظل هذا الوجه محفوراً فى ذاكرتى إلى ما شاء الله. أظن أن هذا الرجل سوف تظل محفورة ذكراه فى عقلى إلى الأبد. سقط الحاج على الدرج فدقت عنقه و لقى الله عزوجل, لم ترى عينى سوى جسده المدد فى لباس المعتمرين على درجات الدرج. و ظلت تلك المعتمرة التونسية تبكيه بلوعة و كأنها تعرفه, يبدو أنها شاهدته و هو يسقط  ليكون ربما أخر ما فعله فى الدنيا هو النظر إلى بيت الله الحرام. سوف تبعث أيها الحاج يوم القيامة إن شاء الله و أنت تجد فى السير قاصداً بيت الله الحرام, فالمرء يموت على ما بعث عليه.... هنيئاً لك الجائزة

- نحن مهزمون نفسياً و أنا أولكم. جميعنا أصبح لا يقول جملة واحدة إلا و قد حشر فيها بعض الكلمات الأعجمية و كلاً و ثقافته فالغالبية تستخدم الأنجليزية و البعض يستخدم الفرنسية أو الألمانية. من المشاهد التى أثرت فى كثيراً فى أثناء زيارتى لبيت الله الحرام و أرتنى نعمة كنت غافلاً عنها كثيراً و هى لغة القران و لغة أهل الجنة و لغة الحساب يوم الحشر و الزحام.... اللغة العربية. صار معتاداً لى حينما أقرا فى كتاب الله فى أثناء تواجدى بالحرم, أن أجد رأس معتمر هندى أو باكستانى أو من أى جنسية أخرى و قد أقتربت كثيراً منى تتسمع لما أقرئه, و حينما تنظر إلى العيون تجد حسرة شديدة و شوق إلى قراءة كتاب الله و تدبر معانيه و لكن المراد غالى و عزيز. لا يمكن أن انسى هذين الطفلين النيجيريين ذوا الوجوه النيرة و هما يتحركان كالملائكة فى بيت الله الحرام حاملين لكتاب الله عزوجل و يقرأن بلسان عربى مبين و قد تحلق حولهما الهنود و الباكستانيين و غيرهما يستمعان إلى القران بصوتيهما فى أيما عجب. و حينما سألت ذلك المعتمر النيجيرى الذى ظننته أباهما عن جنسيته قال لى أنه من نيجيريا و أن هذين الطفلين أبنان لصديقه. و حينما عرف أننى من مصر قال لى كلام هزنى بشدة. قال لى "أنتم علماؤنا, فعلى صوت الشيخ المنشاوى تعلم أطفالنا القرأن" و أشار إلى الطفلين!!

- "كان أكثر ما يؤرق المسيح عيسى بن مريم هو مشهد باحات المسجد الأقصى و قد امتلئت بروث البهائم و مخلفات الباعة و كان يود لو يصرخ فيهم و قد إنتهكوا حرمة المكان!!" .. من كتاب المسيح عيسى بن مريم للدكتور عبد الحميد جودة السحار. من أكثر الأشياء التى ألمتنى فى أثناء هذه الزيارة المباركة, هو مشهد الحرم بعد صلاة المغرب. فزوار البيت الحرام إعتادوا على تناول التمر و ماء زمزم و بعض العصائر بعد الأذان, ثم تقام الصلاة. و بعد الصلاة سوف تجد ما يدهشك و يحزنك, فأغلب المصليين و يالا العجب يلقون كاسات المياه الفارغة و المناديل الورقية و نوى التمر فى ساحات المسجد الحرام أطهر بقاع الأرض قاطبة. هل يعقل هذا؟ مسجد الله الحرام يحدث فيه ذلك؟! و نحمد الله تعالى أن سخر جيوش من عمال النظافة بالحرم يقومومون بتنظيف الحرم فى دقائق معدودات.


- إعتذار واجب للأشقاء فى الجزائر ,فمعظم المصريين بعد مباراة الكرة الشهيرة و أنا منهم تباروا فى سباب الأشقاء. و من عجب أن الأشقاء من الجزائر الذين ألتقيتهم فى الحرم أظهروا حب غير عادى لمصر. لا يمكننى بأى حال من الأحوال أن أنسى الكهل الجزائرى الذى انتفض من مكانه ليلقى على السلام حينما علم أننى من مصر. فى الحقيقة كل الأخوة من شتى بقاع العالم أظهروا لمصر حب و مودة غير عادية فمن تونس و ليبيا و باكستان و الجزائر و نيجيريا كانت التحيات الحارة لمصر و أهلها.

- ماهر المعيقلى أمام الحرم المكى... صوت من السماء

- من الأشياء التى أسترعت أنتباهى, أن أئمة الحرم يخطئون كثيراً فى تلاوة القران الكريم.أكاد أجزم أنها الرهبة التى تصيب كل من فى بيت الله الحرام.

- روىء أن إبراهيم بن المبارك قصد بيت الله الحرام ناوياَ الحج فى قافلة من الحجاج. توقفت القافلة لتنال قسط من الراحة, فوجد إبراهيم بن المبارك فتاة تفتش فى القمامة, فظل إبراهيم بن المبارك يراقبها و قد وجدها تحمل طير ميت قد أخذته من القمامة, فتبعها, فإذا بالفتاة و أمها و أخوتها يأكلون منه. فلما سألهم إبراهيم بن مبارك عن ما جعلهم يأكلون الميتة و قد حرمها الله علينا, قالوا أن لا عائل لهم و لا مال لديهم ليشتروا به الطعام. فرق إبراهيم بن المبارك لحالهم و اعطاهم دابته بما تحمل من زاد. و حينما همت القافة بالتحرك, أخبر إبراهيم بن مبارك رفاقه أنه لن يستطيع أن يكون فى قافلة الحج التى أعتاد أن يكون معها فى كل عام لزيارة بيت الله الحرام. و حينما عادت القافلة بعد موسم الحج, أقسم رفاق إبراهيم بن مبارك بإنهم رأوه معلق بأستار الكعبة, لعل الله قد أرسل ملك يحج عنه فى ذلك العام جزاء بما فعل مع تلك الفتاة الفقيرة و أسرتها!! رأيت الكثير ممن يشبهون معارفى و أصدقائى فى بيت الله الحرام, لعل الله يكتب لهم زيارة بيته الحرام فى القريب إن شاء الله.

- يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا يشكر الله من لا يشكر الناس" أو كما قال صلى الله عليه و سلم. شكر واجب للمملكة العربية السعودية على الجهد الدؤوب التى تبذله فى خدمة زوار بيت الله الحرام.

- دائماً ما كنت أنتقد أخوانى المصريين الذين يذهبون للعمرة فى كل عام و هى ليست بفريضة, و هذا يكبد الأقتصاد المصرى المنهك الكثير. الأن و بعد أن شربت من هذه الكأس أدركت ان لهم كل الحق فى تكرار الزياة عام بعد عام. أقسم بالله العظيم أننى كنت أجلس أمام الكعبة المشرفة و أراها بأم عينى و لا يفصلنى عنها سوى أمتار قلية و يقتلنى الشوق إليها قتلاً. هى كأس المحبة التى إن شربت منها لا ترتوى أبداً حتى تلقى الله عزوجل و هو راض عنك.

*هذه بضع من كثير من الخواطر لأول زيارة لبيت الله الحرم

لبيك اللهم عمرة لا سمعة فيها و لا رياء.

الاثنين، 25 يونيو 2012

سامع ام شهيد بتنادى من هايجيب لى حق ولادى؟َ!

الورد اللى فتح فى جناين مصر
(1)

على الرغم من الإحباط الذى كان يسيطر على مشاعره فى تلك اللحظة, كان يتحرك كالفراشة و يتحاور فى رشاقة معتادة مع من حوله. الجميع كان موجود فى الميدان و فيما يبدو قد توحدوا تحت راية واحدة على غير عادة الشهور الأخيرة. كان ضرورياً أن يتوحد الجميع مرة اخرى لأن الحوادث السابقة كلها أثبتت أن القوة فى الوحدة و لا شىء أخر غير ذلك.


كان السؤال المسيطر على المشاعر الملتهبة, و ماذا بعد؟ و على الرغم من إختلاف المشارب كان الهدف واحد و وحيد, الا رجعة و لا عودة إلى ما كنا عليه.


كان الجميع فى إنتظار المسيرات القادمة من مناطق مختلفة لتلتحم فى لحمة الميدان الذى ألتهب بعد حكم المحكمة الغريب على المخلوع و عصابته. الكل كان يشعر بفداحة المسئولية و بدا كما لو أن الثورة قد ولدت من جديد.


تحرك فى إتجاه كوبرى قصر النيل حينما سمع أن هناك مسيرة قادمة من هذا الإتجاه قاصدة ميدان التحرير. أصبح على أعتاب الكوبرى و تحديداً امام خيمة الثورة السورية. فجأة تسمر مكانه!! كانت واقفة هناك و قد إتشحت بالسواد و قد بدا عليها التعب و الحسرة, بدت و كأنها أكبر من عمرها بكثير. وقف إلى جوارها شاباً و فتاة و على إستحياء حاول الشاب تطيب خاطرها. بينما وقفت الفتاة بحياء محاولة كبح جماح دموع تفلت بعضها على وجنتيها الغضتين. ظن لأول وهلة أن الفتاة أبنتها و لكنه تبين بعد ذلك أنها كانت بصحبة ذلك الشاب و أستوقفهم حال تلك المرأة محاولين مواساتها فى مصابها الأليم.


شعر بعجز غير مبرر فى تلك اللحظة, فلكم تمنى أن يلقى هذه المرأة أو من هم فى مثل حالها. دأب على تخيل لقائه بإحداهن و كيف سوف يقبل يديها لربما يعوضها ذلك عن فقدان فلذة كبدها. وقف متسمراً فى مكانه و الألم يعتصره من داخله و لم يملك إلا أن يفجره فى علبة العصير الفارغة التى كان ما زال يحملها فى يديه. و كلما إعتصره الألم كلما إزداد ضغطه على العلبة و التى بدت فى نهاية الموقف كقطعة من الورق مشوهة المعالم بعد أن مر من فوقها قطار!!


"أنا ابنى مات النهاردة" إخترقت تلك الجملة أعماق أعماقه على الرغم من تهدج صوت الأم و هى تنطق بها. كادت أن تنهار قواه مع سماعه لهذه الكلمات. شعر أنها أمه و هى تبكى فراقه, اه من تلك اللحظة ما أصعبها عليه. حاول أن يسيطر على دموعه التى يعرف كرمها فى مثل تلك المواقف, و لكن الأمر لم يسلم من بعض الدموع المتفلتة. أصبح يود لو يجرى صارخاً فى كل مكان على هذا الظلم و الغدر البين الذى أصاب الجميع فى مقتل.


ظلت تبكى فى ألم و حرقة و هى تتحدث عن أبنها طالب الطب الذى إغتالوه غدراً فى أحداث الثورة, بالطبع هى ليست أم الدكتور علاء عبد الهادى شهيد أحداث مجلس الوزراء فهو يعرف وجهها جيداً مثل ما يعرف وجوه معظم أمهات و أباء شهداء الثورة.  تحلق حولها الكثير من الناس محاولين تهدئة روعها. أستفزه كثيراً أن يرى الكثير من الشباب و هم يتسابقون لتصويرها بكاميرات تليفوناتهم المحمولة, ود لو يصرخ فيهم, ود لو يقول لهم لا تفسدوا بهاء اللحظة, لا تنتهكوا خصوصية المرأة و دعوها تبث همها لله فى المكان الذى غالباً ما شهد إستشهاد إبنها.


كادت قوى المرأة أن تنهار, فطلب منها بعض الشباب أن تستريح على الرصيف الذى كان واقفاً عليه. أقتربت منه كثيراً و جلست على مقربة منه. لفت إنتباه أنها تنظر إليه بين الفينة و الأخرى طوال الوقت و كأنها تستجديه. أصبح مكبلاً بألامه و نظرات الأم المكلومة فى أبنها, كم تمنى أن يرتمى فى أحضانها و أن يبكى كلاهما بحرقة. لا يعلم على وجه التحديد ما الذى كبله, حدث نفسه ربما ذنوبه منعته من لحظة يتطهر فيها و يهون فيها عن أمه التى لم تلده!!


ظل وجه المرأة و الموقف بأكمله يطارده ليلأ و نهاراً. أصبحت زيارته للميدان مصحوبة بتجدد ذكريات الموقف فى عقله. أصبح يشعر ببشاعة تهافت النخبة على المناصب بينما دموع الأمهات لم تجف بعد و أنات الأباء تمزق الضلوع. أصبح يشعر بالألم لأن المصاب فادح و القصاص و العدل لم يريا النور بعد.
.....
(2)
اليوم تاريخى فلقد إنتظره المصريين كثيراً, اليوم هو الرابع و العشرين من يونيو لعام 2012. اليوم هو إعلان نتيجة أول رئيس منتخب لجمهورية مصر العربية. الأعصاب مشدودة و الأجواء مشحونة والإشاعات المتواترة كثيرة. خرجت لجنة إعلان النتيجة متأخرة عن موعدها كعادة المصريين فى أغلب أمورهم. بعد خطاب طويل و ممل من رئيس اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية تم إعلان اسم محمد مرسى كأول رئيس للجمهورية.


ارتجت مصر بالأفراح و بدا أن تلك الليلة سوف تكون الإحتفالات صاخبة فى الشوارع و فى كل مكان. ميدان التحرير قد إمتلىء عن أخره, و هو بالفعل ممتلىء من بداية اليوم. الكل سعيد و مبتهج فى مشهد لم تشهده مصر من قبل, حتى فى يوم تخلى المخلوع عن صلاحيته لم تكن الفرحة بتلك الدرجة.


كان فى طريقه لعبور الميدان فى إتجاه شارع عيون الحرية" محمد محمود سابقاً" كان برفقة شقيقه الأصغر و صديق له. بينما هم على أعتاب الشارع وجد لافتة عليها صورة  عريس الثورة, الشهيد "أحمد ايهاب" و هو يرتدى بدلة فرحه و فى أسفلها ورقة بيضاء صغيرة مكتوب عليها "أسرة الشهيد أحمد ايهاب" يحملها شاب و بجواره سيدة محتشمة و ترتدى ملابس أنيقة. صرخ فى رفيقيه, "أم الشهيد أحمد اهيه" يبدو انهما لم يفهما ما قاله او ان المفأجاة سمرتهم فى أماكنهم. جرى ورائهم و أوقف الشاب و سأله عن صلة قرابته بالشهيد فأخبره انه ابن خاله و هذه السيدة هى أمه. كانت منشغلة بالحديث مع سيدة شابة اخرى يبدو انها كانت فى إنتظارها و ان ام الشهيد قد تأخرت عليها. رأى على وجهها إبتسامة رضا باشة جميلة, صرخ الشاب "عمتو دول أصحاب أحمد" شعر وقتها بالرجفة تسرى فى جسده اقترب منها و قبل رأسها فى صمت ثم قال لها" لم يكن لى الشرف ان اقابل ابنك من قبل". هزت رأسها فى صمت بعد نظرة متفحصة لوجهه ثم أرتسم على وجهها ابتسامة أمراة راضية بقضاء الله و قدره. عاد إلى بيته ثم فتح الفيس بوك ليجد على إحدى صفحات الفيس بوك ان الشاب الذى كان مع ام الشهيد  قد كتب على صفحته " ان ام الشهيد لم تعرف الابتسامة طريقاً الى شفتيها منذ رحيل أحمد إلا اليوم".


أنا خصيمك يوم القيامة يا دكتور مرسى إن لم تقتص القصاص العادل لشهداء ثورة مصر الذين بفضل الله ثم بسببهم أصبحت رئيساً لمصر


أم الشهيد أحمد ايهاب- ميدان التحرير 25 يونيه 2012

الثلاثاء، 8 مايو 2012

حياة معلبة

"لو سمحت يا أستاذ ما فيش مكان لحضرتك إستنانى و أنا هارجع لحضرتك كمان شوية"
هذه جملة من الجمل التى أعتاد أن يرددها أكثر من مرة يومياً و هى تبدو المناسبة الوحيدة التى يقول فيها رأيه و على الجميع أن يحترمه و يستمع إليه!!


إعتاد يومياً ان ينحشر فى تلك العلب الحديدية المسماة بالميكروباص و أن ينتظر مضطراً شأنه شأن غيره من جميع الركاب حتى يقوم السائق بالتحميل. لا أحد يملك الأعتراض على قرارات سائق الميكروباص فبين التوقف أكثر من مره لركوب ركاب فى العربة الممتلئة أصلاً بالركاب و صوت الكاسيت المزعج  و أسلوب و لغة السائق الفجة و سلبية الركاب لا أحد يملك الإعتراض!! فاللى مش عاجبه ينزل. طوال سنواته عمره الخمسين لم يملك الإعتراض على شىء فهو يريد أن يمشى جنب الحيط كما أعتاد أن يسمع من أبيه و لا مانع أن يمشى داخله إذا لزم الأمر!!


الطريق مزدحم كالعادة و الحر خانق و نسمات الهواء التى تتسلل عبر نافذة الميكروباص تتسلل فى حياء لتلامس وجهه فيحمد الله على ذلك. فى بطء أكثر من بطء السحلفاة يتحرك الميكروباص, و على العكس من ذلك تتلاحق الأفكار فى عقله المنهك بالهموم و الأحلام المؤجلة على الرغم من كثرتها و زحامها .... كل الأحلام فى حياته صارت مؤجلة و صارت معلبة كما الحياة التى يحياها بين بيته المتواضع الصغير الذى إعتاد أن ينحشر بداخله هو و زوجته و أبنائه الثلاثة ومحل عمله فى المستشفى الحكومى.


"الله يخرب بيت العيال بتوع التحرير اللى خربوا البلد" جملة إخترقت أذنه و دغدغت بعض المشاعر لديه, أراد أن يدافع عن شباب التحرير أو "الورد اللى فتح فى جناين مصر" هكذا إعتادت إبنته الكبرى أن تقول و هو لا يعلم انها قصيدة كتبها أحمد فؤاد نجم لرثاء شهداء ثورة 25 يناير. هى أول فرحته و خريجة الجامعة التى شاركت أبناء جيلها الإنتفاض ضد سلبية الأجيال التى سبقتها. همّ أن يشرح للرجل أن هؤلاء الشباب أعادوا لمصر روحها و شبابها, لكنه ما لبث أن عاد لتلك السلبية التى هى سمة جيله, فهو يريد أن يذهب إلى محل عمله لا أكثر و مش عايز وجع دماغ.


إعتاد أن يرى ألواناً و صنوفاً من البشر فى كل يوم تغدو و تروح قاصدة ذلك الصندوق الصغير الذى يصعد ويهبط محمل بأرتال من البشر. والتى إعتاد أن يتعامل مع ركابه بروتينية بحتة لا تختلف عن تلك الحياة التى يحياها. القلق يتلهمه إلتهاماً فموعد زفاف إبنته الكبرى على الأبواب و بالكاد إستطاع أن يدبر بعض النفقات. ما زال يحلم أن يبنى بيته على قطعة الأرض التى أشتراها بعد بيع ميراث والده فى الصعيد ليتزوج فيه أبنه الأوسط طالب الثانوية بعد تخرجه من الجامعة و لا مانع ان تتزوج فيه ابنتيه الأخرتين إذا لم يستطع أزواجهم المتوقعين  تدبير نفقات شراءالشقة. حتى هذا الحلم صار بعيد المنال فإرتفاع كلفة مواد البناء لن يمكنه من ذلك .


"تين تين".. ذلك الصوت الذى أصبح يتعامل معه حتى بروتينة هو الأخر, هو الذى أخرجه من دوامة الأفكار التى تلتهم رأسه. بروتينة إعتاد عليها نادى على ضيوفه المؤقتين "اللى عايز الدور الرابع يتفضل يا حضرات". خرج جميع الركاب ليتركوه وحيداً فى مصعد المستشفى الذى عاود رحلة الهبوط للدور الأرضى و معه عادت دوامة الأفكار إلى رأسه المكدود. فى تلك الغرفة الصغيرة الممتدة لأمتار قليلة و التى قضى بداخلها اكثر من نصف عمره بدت اللحظات ثقيلة و الحياة براحبتها بدت أمامه كعلبة صغيرة ... كل شىء فى حياته صار معلباً بلا طعم إلا من الهموم والأحلام المؤجلة!!




هذه أول قصة قصيرة أكتبها ... القصة جائتنى من وحى مصعد أستقليته لزيارة أحد الأقارب فى مستشفى حكومى.

الأحد، 6 مايو 2012

محنة المرض

كثيرة هى النعم التى وهبنا إياها المولى عزوجل و لكننا لا ندرك قيمتها. نحن نبكى أحبائنا حينما نفارقهم فقط, و لكن لا مانع لدينا أن نجعلهم يعانون بتصرفاتنا ما داموا هم أحياء!! فالإبن يعصى أباه و أمه ثم يبكيهم بكل حرقة إذا فارقوا الدنيا, فهو لا يعلم إذا كان يبكيهم لسوء أدبه معهم أو ندماً على تلك اللحظات التى لم يكن لهما إبناً باراً. الحبيب يبكى حبيبته بأشد الندم على ألم فراقها فى حين أنه لم يمهلها الوقت أو الفرصة للتعرف عليها أو ربما لم يصبر على بعض طباعها الغريبة عنه. إلا المولى عزوجل فهو يمهلنا الفرص المرة تلو الأخرى.


كنت قد إنقطعت الفترة السابقة عن التدوين لتعرضى لمحنة مرضية كبيرة لم أتعرض لها فى حياتى قط و الحمد لله على كل حال. المرض ذلك الزائر الذى لا يأتينا بدون سابق إنذار, الكل يراه زائراً ثقيلاً إلا المؤمنين!!


الصحابى الجليل أبا ذر الغفارى حينما سأله النبى صلى الله عليه و سلم عن أى الأشياء يحب من الدنيا فى معرض حديث جميل جمع النبى صلى الله عليه و سلم بالخلفاءالأربعة رضى الله عنهم فقال رضى الله عنه أحب ثلاث يا رسول الله "الجوع و المرض و الموت" فتعجب النبى صلى الله عليه و سلم و قال لا أحد يحب هذا يا أبا ذر, فقال يا رسول أنا إذا جعت رق قلبى و إذا مرضت خف ذنبى و إذا مت لقيت ربى. هذا حال المؤمنين و نظرتهم للأمور!!


من أعظم نعم المولى عزوجل علينا هى نعمة الصحة و أصبحت مقولة أن "الصحة تاج على روؤس الأصحاء لا يراه إلا المرضى" كلمة ليست ذو قيمة من كثرة تكرارها بدون الشعور بمعناها. حينما يدعو لك أحد بتمام الصحة و العافية قد تشكره و لكن قد لا تدرك قيمة ما دعى لك به. دعنى أوضح  لك الصورة, هل أصابتك نزلة برد من قبل أو حمى شديدة؟ بالتأكيد أنا و انت عزيزى القارىء نعرف الإجابة فمن منا لم تصبه نزلات البرد سواء فى الصيف أو فى الشتاء!! دعنى أكون اكثر تحديداً معك ماذا كان شعورك و أنت لا تستطيع التنفس بأريحية أو ربما واجهت صعوبات فى البلع و بالطبع كانت أنفك مزكمة أو ربما بها رشح. صدقنى كل ذلك لا شىء و على الرغم من أنه ينغص عليك حياتك لبضعة أيام و لكنه مقارنة بمعاناة الأخرين قد لا يبدو  شىء على الإطلاق!!


أنا لا أكتب لك هذا الكلام يا عزيزى لكى أسفه (بضم الألف و كسر الفاء) من الامك أو لكى انغص عليك متعة يومك أو حتى لإجعلك تتعاطف معى. أنا أكتب لك هذا الكلام حتى تعرف قيمة النعمة التى وهبك الله أياها و لكى تنظر للأمور بنظرة أكثر تفاؤلاً. فمن "بات ضامناً قوت يومه, أمناً فى سربه, معافاً فى بدانه فقد حيزت له الدنيا و ما فيها" أو كما قال النبى محمد صلى الله عليه و سلم. أى والله, لو حضرتك نمت ليلتك شبعاناً و أنت و أهلك أمنين و بصحة و عافيه فلا ينقصك شىء من دنياك. فلا داعى إذن أن تقلق بشأن الغد.


منذ شهر أو اكثر فجأة و بدون مقدمات إنتشرت بقع وردية اللون صغيرة الحجم فى صدرى ثم بدأت تنتشر فى كل جسمى. ذهبت للطبيب فوصف لى بعض الأدوية و لكن الأمر إزداد سوءً بعد يومين لا أكثر و حينما عدت إليه قال لى تقلق الأمر ليس بتلك الخطورة داوم على العلاج الذى كتبته لك. قررت أن أذهب إلى طبيب أخر لان كلام هذا الطبيب لم يكن مقنعاً لى و أخبرنى تقريباً نفس الكلام و أضاف عليه انه فيروس يصيب الجسم و يسبب تلك البقع المصحوبة برغبة شديدة فى الهرش بعد فترة أخرى قررت الذهاب إلى طبيب ثالث!!


العحيب فى الأمر أن الطبيب الثالث هى سيدة فى عيادة بالقرب من بيتى لم أكن أفكر بزيارتها من قبل. السبب فى ذلك أن الطبيبن الأوليين تابعين لشركة التأمين التى تعاقدت معها الشركة التى أعمل بها. المهم قررت أن أستكمل العلاج مع هذه الطبيبة مع إضطرارى لتحمل نفقات العلاج على حسابى الخاص. السبب فى ذلك هو شعورى بالراحة النفسية مع هذه الطبيبة التى شرحت لى حالتى الصحية و سببها و هذا ما لم يقم به الطبيبين الأخرين.


فى قناعتى الشخصية التى ربما أكون مخطئاً فيها أن اى مرض علاجه يبدء من الشق النفسى للمريض. المريض, أى مريض يكون فى حاجة إلى الطبيب الذى يستمع إليه و يشرح له أسباب مرضه و كيفية علاجه و لا يتركه هكذا بدعوى أنه لن يفهم ما يتكلم عنه الطبيب. و فى أوقات كثيرة لا يستجيب المرضى للعلاج الذى وصفه لهم الأطباء إما لعدم قناعتهم بجدوى العلاج أو لعدم قناعتهم بالطبيب المعالج نفسه.


للأسف مع تحول الطب لمهنة أصبح كثير من الأطباء يغفل عن حق المريض فى معرفة حالته الصحية و أن يوضح له ما أسبابها, و هذه من أخلاقيات المهنة التى أصبح لا يلتزم بها الكثيرون من الأطباء. فالطبيب فى الغالب لا وقت لديه ليتكلم مع المريض فهو يريد أن يقوم بالكشف على أكبر قدر من المرض لزيادة حصيلته اليومية. أنا بالطبع لا أتحدث عن كل الأطباء, لأنه ما زال هناك قلة قليلة ما  زالت تحترم نفسها قبل أخلاقيات المهنة.


كان تشخيص الطبيبة لحالتى أنها حساسية موسمية تأتى مع تغير الجو بين فصلى الشتاء و الربيع و فى تلك الفترة تسبب حبوب اللحاق المنتشرة فى الجو و التى فى الغالب لا ترى بالعين المجردة حساسية شديدة لبعض الناس و التى تتراوح أعراضها ما بين أمراض فى الجهاز التنفسى أو مشاكل فى العيون, أو مثل حالتى لمشاكل فى الجهاز المناعى مسببة بعض المتاعب الجلدية. فى حالتى تسبب تغيير الجو إلى رد فعل قوى من جهازى المناعى تجاه ذلك مما أدى إلى إنتشار تلك البقع فى جسمى.


حينما علمت أن حالتى هى حساسية مرتبطة بالتغيير المناخى تذكرت صديقة أمريكية من أصول فينزويلية كانت لدى إبنتها حساسية شديدة تجاه الفول السودانى و هى حساسية منتشرة كثيراً بين الأمريكيين. أتصور أنها مرتبطة بطبيعة المناخ هناك. صديقتى هذه كانت تعانى أشد المعاناة إذا رغبت طفلتها ذات الثلاث أعوام فى شراء أى نوع من الحلوى أو أرادت أن تطعمها أى طعام خارج المنزل. فعليها أن تتأكد أن محتويات تلك الحلوى لا تحتوى على فول سودانى أو أى من الزيوت المستخلصة منه. لا يمكن أن انسى الرعب الذى كنت اراه فى عينى الطفلة حينما كانت تتشبث  بشراء حلوى تحتوى على الفول السودانى و كانت أمها تقول لها سوف تحدث لك أزمة كالتى حدثت لك فى الماضى. يبدو أنها كانت أزمة كبيرة فالرعب الذى كان فى عينى الطفلة كان كافى لمعرفة ذلك!! حكت لى أمها انها فى احد نوبات الحساسية كادت أن تموت لولا أنهم اسرعوا فى إسعافها!! للأسف حساسية إبنة صديقتى من النوع المزمن الذى لا يغادر الجسم بسهولة.


فى الحقيقة كانت تلك الطبيبة نموذج يحتذى به فى الإلتزام بأخلاقيات المهنة. تلك الطبيبة هى إستشارى له سمعة كبيرة فى عالم الأمراض الجلدية, وعلى الرغم من تواضع عيادتها إلا انها مزدحمة فى كل الأوقات مما يعكس ثقة مرضاها فيها. الطبيبة لم تكتفى بتشخيص العلاج و متابعة الحالة, بل أنها عند نقطة معينة فى رحلة العلاج لم تجد أى غضاضة فى أن تدعونى  لعمل لجنة طبية من مجموعة من زملائها الأطباء للكشف على حالتى لربما يكون لديهم تشخيص أفضل من تشخيصها!!


فى اليوم المحدد لذلك ذهبت إلى مستشفى الحوض المرصود و هو المستشفى الحكومى التى تعمل بيها طبيبتى. هالنى ما رأيته هناك فى تلك المستشفى ذات السمعة الطيبة. فطوابير المرضى بإعداد لا توصف, و فهمت أن تلك الأعداد تنتظر العلاج المجانى, و تعجبت بشدة حينما رأيت طوابير العلاج المدفوع الأجر فهى لا تقل كثيرا عن الطوابير المجانى.المهم تم توقيع الكشف علىً بمعرفة نائب رئيس المستشفى و كان التشخيص مشابه لما قالته طبيبتى. بقى أن أقول هنا أن طبيبتى أسمها الدكتورة مادلين راغب أخصائى الأمراض الجلدية بمستشفى الحوض المرصود. و عملاً بالحديث الشريف أنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس.... شكراً دكتورة مادلين على أهتمامك الفائق بحالتى الصحية.


 لن أطيل عليكم, فلقد منّ الله علىّ بالشفاء و الحمد لله لأخرج من تلك المحنة بدرس أن الصحة و الأمان هما أعظم و أجل نعم الله علينا و أننا مهما قابلتنا مشاكل فى حياتنا, فإنها لن تكون شىء أمام لحظات نتألم فيها و يعجز الأطباء عن فهم حالتنا أو وصف الدواء المناسب!!


عزيزى القارىء.... فى المرة القادمة التى سوف تواجهك مشكلة فى حياتك مهما كبرت أو صغرت تذكر أن الله منحك نعمة الصحة التى لا يضاهيها شىء فى الدنيا و قل الحمدلله على كل الأحوال. فبينما أنت تقرأ تلك التدوينة هناك الكثيرون الذين يعانون محنة المرض وحبيسى أسرتهم و ربما حتى يعجزون عن قراء ما تقرأه أنت الأن.


متعنا الله و أياكم و أهلونا و أحبتنا بالصحة و العافية.... إلى اللقاء فى التدوينة القادمة إن شاء الله

الأربعاء، 7 مارس 2012

من واشنطن إلى دريدين... بينى وبينك مسافات

نورث هامبتون- ولاية بنسلفانيا,دريدين- ولاية نيويورك


مع أول ضوء للنهار إستعد الجميع للتحرك من واشنطون إلى الكليات التى سوف ندرس بها. كل الوفود الطلابية إتجهت إلى المطار لإستقلال الطائرات التى سوف تقلهم إلى أماكن دراستهم المختلفة, إلا المجموعة التى كانت معى لأنها كانت سوف تنتقل بواسطة أتوبيس!! حينما تحدثت مع أحد القائمين عن أمر برنامج الدراسة عن السبب فى ذلك أوضح لى أن معظم الطلاب سوف يدرسون فى ولايات و أماكن بعيدة عن واشنطون, أما مجموعتى فهم سوف يدرسون فى ولايتى نيويورك و بنسلفانيا القريبتين. قلت له أن مسافة الرحلة حوالى خمس ساعات, قال لى ببساطة أن خمس ساعات ليست كثيرة و عليك أن تستمع برحلتك!!


بالطبع سوف تتعجب مثلى إذا علمت أن المسافة حوالى 550 كيلو متر!! و لكن كيف يتحدث هذا الرجل عن مسافة كتلك بكل هذه البساطة؟! دعنى أقول لك أن أمريكا هى دولة ذات مساحة كبيرة, حوالى 8 مليون كيلو متر مربع, و أن السفر و الترحال من عادات الشعب الأمريكى و لا عجب فى ذلك إذا علمنا أن أمريكا هى دولة مهاجرين. أضف على ذلك أن المسافات بين القرى و المدن داخل الولايات الأمريكية متباعدة, علاوة على ذلك أن تصاميم الأحياء السكنية نفسها تعتمد على الإتساع و مراعاة خصوصية الأفراد فى بيوتهم. سوف نتحدث عن ذلك بالتفصيل فى تدوينة لاحقة إن شاءالله.


تحرك بنا الأوتوبيس وفق جدول زمنى مسبق وزع على كل فرد فى الأتوبيس ليعلم أماكن التوقف و خط سير الرحلة. بعد حوالى الساعتين تقريباً أو يزيد توقفنا فى مدينة نورث هامبتون التابعة لولاية بنسلفانيا. عند هذه النقطة أنفصل بعض من ركاب الأتوبيس الخاص بنا للإلتحاق بكليتهم فى تلك المدينة و إنضم إلينا بعض الوافدين الجدد.
 

على الرغم من بعد المسافة إلا أن الكل كان سعيد و مستمتع بالأجواء الطبيعية الرائعة. فالمسافات بين البلدات الأمريكية فى معظمها هى من الجبال و السهول الخضراء و الأنهار و الجداول الجميلة التى تجعلك تقول من كل لسانك "رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلاً۬ سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ" ال عمران أية 191.


عند وصولنا لمدينة نورث هامبتون فوجئنا ببعض الطلاب فى إنتظارنا و التى تبدو ملامحهم خليط بين الأوروبين و العرب. للوهلة الأولى ظننا انهم إسرائيليين و أصابنا إحباط شديد و إزداد الإحباط حينما علمنا أنهم سوف ينضموا إلينا فى الطريق إلى ولاية نيويورك. و قبل إنضمامهم إلينا علمنا من بعض الطلاب الأخريين أنهم أتراك و ليسوا إسرائيليين ففرحنا فرحاً شديداً لذلك. أنضم إلينا أربعة من الأتراك إثنين منهم ذكور, كذلك إنضم إلينا شاب رائع من جنوب إفريقيا لا تفارق الإبتسامة وجهه أبداً مع فتاتين من نفس البلد بالإضافة إلى فتاة من إندونسيا و أخرى من باكستان. أصبح العدد النهائى لمجموعتنا 18 طالب ممثلين لستة دول لحسن حظى.


إنطلقت بنا الحافلة بعد وداع ملىء بالدموع بين طلاب نورث هامبتون و المنضمين حديثاً إلى حافلتنا, ما أصعب لحظات الوداع تلك القاسية!!


بعد ساعتين أخريين وصلنا إلى قرية "دريدين" التى عشت بها لمدة سنة و أربعة شهور. و دريدين تلك قرية  هادئة ليست صغيرة المساحة على الإطلاق وعلى الرغم من ذلك لا يتجاوز عدد سكانها الألفى مواطن!! أهم ما يميز هذه القرية هى الكلية التى سوف ادرس بها و اسمها "Tompkins Cortland Community College, TC3"
سوف نتعرف على كليتى فى تدوينة لاحقة إن شاء الله. القرية بطبيعتها هادئة و يوجد بها المحلات التجارية المتوسطة الحجم و بعض الأنشطة التجارية القليلة. بإختصار هى مكان هادىء تماماً يصلح لمن يبحث عن الإستشفاءأو الحصول على قسط من الراحة و الهدوء.


المسافات بين واشنطن و قرية دريدين ليست مرتبطة بالبعد المكانى فحسب, و لكنها مرتبطة بالبعد الحضارى و الثقافى. فواشنطن مثلها مثل أى عاصمة فى العالم يوجد بها الكثير و الكثير من الأشياء التى يمكن أن تفعلها للترفيه عن نفسك و للإستماع بوقتك مثل السنيمات و المسارح و المتاحف و المكتبات و غيرها. أما دريدين فهى قرية صغيرة أقرب مدينة تبعد عنها بالسيارة حوالى 25 دقيقة و لكن ليست تلك المشكلة. فالمشكلة هى أن الحافلات العامة لا تعمل بعد التاسعة و إذاأردت أن تذهب إلى أى مكان بعد ذلك الوقت فيجب ان تمتلك سيارة أو يمكنك إستقلال تاكسى و هو مكلف جداً فى بلد مثل أمريكا. الأسوء من ذلك أن تلك المدينة القريبة و هى مدينة صغيرة لا يوجد بها الكثير لتفعله لترفه عن نفسك!!


بالطبع كانت هذه صدمة قاسية لمعظمنا و بالأخص للمصريين لأن معظمنا من ساكنى القاهرة المشهورة بأضوائها الصاخبة و شوارعها التى لا تنام!! علاوة على ذلك الصورة التى فى أذهاننا جميعاً عن أمريكا. فمعظمنا يتخيل أنها بلاد صاخبة و مجنونة و السيارات تتسابق فيها و هذا بالطبع ليس صحيح فى أغلب الأحوال, ببساطة شديدة ده شغل سينما.


حينما وصلنا لكليتنا لم نجد أحد فى إستقبالنا بل و كانت أبواب الكلية موصدة!! عرفنا بعد ذلك أن الدراسة لم تبدأ بعد و أن لا احد يتواجد فى أثناء العطلات الدراسية. بعد فترة وجدنا أحد أفرد الأمن و الذى أخبرنا أنه على علم بوصولنا وأنه يتوجب علينا التوجه إلى أماكن السكن و هى على تبة مرتفعة تبعد أمتار قليلة عن الكلية .


على الفور توجهنا إلى هناك و كان فى إستقبالنا ثلاث سيدات متوسطى العمر و التى استمرت علاقتنا بهم طوال فترة إقامتنا بالكلية.

بعد عبارات الترحيب المعتادة تم توزيعنا على الشق السكنية التى سوف نسكن بها و هى أقل ما توصف به أنها شقق فندقية فاخرة. فالشقة عبارة عن أربعة غرف مستقلة و كل غرفة بها سرير و أدراج ملابس و مكتب و كرسى. كذلك بالشقة حمام مشترك و غرفة معيشة بها أنتريه جيد لإستقبال الضيوف و مطبخ به بوتاجاز كبير و فرن و ميكروويف و ثلاجة و بعض الأدراج لحفظ الأوانى. جاء من نصيبى أن يسكن مع صديق مصرى على أن ينضم إليناإثنين من الطلاب الأمريكيين عند بدء الدراسة.



بعد أن وضعنا حقائبنا فى الغرف المخصصة لذلك تم توزيع بعض أدوات المطبخ و بعض المعلبات و الأغذية المحفوظة و بعض ملاءات الأسرة و التى علمنا أنها بعد ذلك تبرعات من بعض الأسر و الطلاب السابقين. بالطبع بعضنا تأفف من ذلك و رفض ان يأخذ منها فى البداية و لكن أحدى السيدات الثلاث شرحت لنا أن هذا جزء من الثقافة الأمريكية و أنه لا حرج فى ذلك. عرفنا بعد ذلك أن من عادات الشعب الأمريكى الطيبه هى حبهم لمساعدة بعضهم البعض علاوة على تبرعهم بالأشياء الزائدة عن حاجتهم للأخرين حتى يستفيدوا بها و ليس كما يصور الإعلام فى بلادناالعكس.


بعد ذلك قام فرد من كل شقة بتجميع إحتياجات باقى زملائه فى الشقه من أطعمة و مشروبات تكفى ليومين أو ثلاث و ذهبنا فى عربات السيدات الثلاث إلى متجر ضخم قريب لشراء إحتياجتنا.
نلتقى فى التدوينة القادمة إن شاء الله.

السبت، 3 مارس 2012

بــســنــت

أغسطس 2008


اليوم هو الثالث و الأخير فى واشنطن العاصمة


كان الهدف من الإقامة فى المقاطعة هو التعرف على العاصمة الأمريكية و حضور ورش عمل تدريبية حول برنامج المنحة الدراسية التى حصلت عليها مع حوالى 175 طالباً مصريأ اخرين علاوة على نفس العدد تقريباً من طلاب خمس دول أخرى و هى باكستان, أندونسيا, تركيا, جنوب أفريقياوالبرازيل.


تم تقسيمنا فى قاعة المسرح الكبير فى إحدى ورش العمل إلى مجموعات على حسب الولايات التى سوف ندرس بها, و لأننى تم توزيعى للدراسة فى ولاية نيويورك جلست مع مجموعتى التى سوف تدرس فى نفس الولاية و كانت المجموعة حتى تلك اللحظة مكونة من طلاب مصريين و باكستانيين.


كان دائما ما يحرص المنظمون على أن نحتك بطلاب الدول  الأخرى لهدفين. الأول هو الأحتكاك مع شباب من ثقافة مختلفة فيمكن التعرف على أشياء جديدة عن ثقافة بلادهم. السبب الثانى لأنك سوف تكون فى هذه الحالة مضطراً للتحدث باللغة الأنجليزية و التى سوف تكون لغة الدراسة و الحياة فى خلال فترة المنحة وهذا بالطبع شىء هام.


جاء حظى إلى جوار إثنين من الطلاب الباكستانين شاب و فتاة. لأول وهلة عند الحديث مع الباكستانيين او الهنود عموماً تشعر بغرور و إستعلاء فى حديثهم و هذا إستنتاج خاطىء فى أغلب الأحوال. سوف أقوم بالتحدث عن باكستان فى تدوينات أخرى إن شاءالله.

طُلِبَ من كل فرد منا أن يرسم شىء يعبر عن بلده ثم يمررها لباقى أعضاء مجموعته و التى كانت مكونة من ثلاث إلى أربع أفراد. بالطبع لم أجد أفضل من الأهرامات أن أرسمها لتعبر عن مصر, هكذا تربى جيلى فى المدارس أن الأهرامات هى أهم ما يميز مصر, و فى الحقيقة أن مصر العظيمة لم تجد ما يمكن أن تفخر به أمام العالم فى العقود الأخير من تاريخها سوى الأهرامات. و كأن تاريخ مصر كله و ثقافتها و فنونها قد توقفت عند حضارة الفراعنة أقدم حضارات الدنيا. لأن النظام البائد لم يكن له إنجازات يتحاكى عنها العالم, و العجيب انه لم يكتفى بذلك بل دأب على أن يسوق مصر للعالم على أنها بلاد الجمل و الأهرامات و الصحراء و تناسى تاريخ هذا البلد العظيم بدعوى تنشيط السياحة الفاشلة فى مصر. سوف أتعرض لهذه النقطة أيضاً فى تدوينة أخرى إن شاء الله عن نظرة الأمريكان و العالم الخارجى لمصر .



مررت ورقتى لصاحبّى الباكستانيين فنظرا إليها بعدم إكتراث ليس من قبيل أنهما لم يحترما ما رسمته أو لم يحترما حضارة بلدى و لكن هذا لم يكن شىء جديد بالنسبة لهم, و كان تعليقهم بالطبع ما دام الحديث عن مصر فيجب أن تتحدث عن الأهرامات!!


حين مرر لى صاحبّى الورقة تعجبت بشدة مما رسماه!! لقد رسمت الفتاة طائرة ورقية بيد طفل, و حينما سألتها ما هذا و هل هذا يرمز لباكستان؟ تدخل الشاب بحماس شديد و قال هذا عيد قومى و مهرجان فى البلاد يجرى كل سنة!! حيث يقوم كل أهل مدينة لاهور تحديداً بالخروج فى الشوارع و فوق أسطح البيوت ممسكين بطائراتهم الورقية و يتفنن كل واحد فى تزيين طائرته الورقية لتبدو أجمل طائرة فى الجو!! بل أن البعض يذهب لأبعد من ذلك حيث يقوم بإضافة بعض الإضاءات الفسفورية على طائرته لتنير فى الليل!!


الغريب فى الموضوع أنها تبدو كمنافسة بين أصحاب الطائرات حيث يحاول كل صاحب طائرة أن يجعل طائرته تبدو أعلى طائرة فى الجو, ليس ذلك فحسب و لكن يحاول كل صاحب طائرة أن يسقط طائرة الأخرين و يا حبذا لو أستطاع الأمساك بها.  تدخلت أنا هنا و قلت لهم ان هذا يحدث عندنا فى مصر فى بعض الأحيان و لكن ليس بهذا الشكل الكرنفالى.


المؤسف فى هذا الكرنفال الجميل كما أخبرنى الأصدقاء الباكستانيين, أن هذا المهرجان يتسبب لفقدان الكثيرين لحياتهم حيث أن الكثيرين يسقطوا من فوق أسطح المبانى فى أثناء متابعتهم لطائرتهم و استغراقهم فى هذا الأمر فيقتربوا من حافة سطح المبنى و يسقطوا. ليس ذلك فحسب بل أن خيوط الطائرات المتينة تتسبب فى بعض الجروح و العاهات المستديمة بل و الموت للكثيرين.


هذا المهرجان يطلق عليه الباكستانيين أسم ... "بـسـنـت".


أترككم مع هذه الفيديوهات, عن هذا المهرجان الغريب و الجميل!!



لاهور- باكستان ... مهرجان بسنت للطائرات الورقية-الجزء الأول



لاهور- باكستان ... مهرجان بسنت للطائرات الورقية-الجزء الثانى


نلتقى فى التدوينة القادمة إن شاء الله .....



الخميس، 1 مارس 2012

البرازيل مالهاش فى الكورة!!

العاصمة واشنطن
من المواقف الطريفة العديدة التى لا أنساها ما حدث فى نهايةأخر يوم فى العاصمة واشنطن.



إنتهت الندوات التحضيرية وأصبح لدينا متسع من الوقت للترفيه عن أنفسنا إستعداداً للتوجه إلى الولايات التى سوف ندرس بها فى الصباح الباكر. كل منا مارس ما رأه مناسباً له, فالبعض فضل الخلود للراحة فى الغرف, والبعض فضل أن يتسامر مع الأخرين و البعض فضل أن يمارس الرياضة, فمجموعة تمارس رياضة السلة, و أخرى الكرة الطائرة, و أخرى كرة القدم. أماأنا فاخترت ان أمارس الكرة الطائرة و كرة القدم.


لعبت فى البداية كرة الطائرة لفترة ثم لعبت مع مجموعة من المصريين كرة القدم و إنضم لنا على إستحياء بعض من الجنوب أفريقيين. للأسف لم أكن مستعد بلبس رياضى حيث أننى كنت أتجول و وجدت بعض الشباب يلعبون فقررت الإنضمام إليهم على الفور. ولكنى كنت ألعب بحرص شديد خوفاً من الأصابة.


بينما نحن نلعب وإذ برفاق بيليه و كاكا يقتربوا من الملعب فى مجموعة من الشباب و الفتيات الحسناوات, بالطبع أنا أتحدث عن البرازيليين. 


و فجأة شعر جميع من فى الملعب بالإرتباك. فسحرة البرازيل معروف عنهم أنهم ملوك كرة القدم فى العالم و أنه لايمكن الوقوف أمام مهاراتهم الكروية. فمن كان يظن أنه الأفضل فى الملعب و أقنع البعض بأدائه خاف أن ينسحب منه البساط. و لأن أغلبية من فى الملعب كانوا من المصريين, لم يمر الموضوع مرور الكرام على قفشات المصريين و سخريتهم المعتادة على الموضوع و أن البرازيليين سوف يكتسحون كل من فى الملعب و بنتيجة عالية!!  


هنا أدعى البعض أنه مجهد و فضل عدم اللعب خوفاً من الإحراج المتوقع أمام البرازيليين. و البعض إدعى أن الإضاءة خافتة و أنه لا يمكن إكمال اللعب. أما أنا ففضلت الا العب خوفاً من الإصابة لأن التحدى كان فى أعين البرازيليين و لأن حذائى لم يكن يصلح للعب, و طالبنى بعض زملائى المصريين بأن أكمل معهم اللعب إقتناعاً منهم أننى يمكن أن أصنع الفارق, ياللسخرية!!


قلة من الشباب المصريين كانوا أشجع منا جميعاً و قرروا أن يقبلوا التحدى!! قبل بداية المباراة طلب منى بعض الزملاء أن أحكم اللقاء و قبلت ذلك بعد موافقة البرازيليين بالطبع.


و بدأت المباراة ...
الأجواء كانت حماسية و كانت تبدو كما لو أنها مباراة رسمية. فالحسناوات البرازيليات كن متحفزات جداً و كن يشجعن بجنون, و هذا بالطبع أشعل حماس الشباب البرازيلى. أماالشباب المصريين فالبداية لهم كانت مرتبكة بعض الشىءبطبيعة الحال, على الرغم من التشجيع المتحفظ من خارج الخطوط.

مرت الدقائق الأولى و بدأ المصرييون يتمالكوا رباطة جأشهم. فبالرازيليون ليسوا هم البرازيليون الذين نعرفهم, فهم فريق عادى يمكن التغلب عليه. و أنتفض المصرييون و أحرزوا هدفين بواسطة بعض السحرة المصريين الذين أبهروا جميع من فى الملعب بأدائهم الرفيع. و بدأ التوتر يبدو على البرازيليين الذين شرعوا فى الإعتراض على كل قراراتى التحكيمية بدون أى داعى بعد ذلك.

ثم أحرز المصريين الهدف الثالث وسط ذهول جميع الحاضرين. و هنا تسرب الغرور و الدلع قليلاُ إلى المصريين, و هى عادة سيئة فى المصريين, و هذا سمح للبرازيليين بإحراز أول أهدافهم ثم ردوا بهدف ثانى. هنا أنتفض المصرييون الذين شعروا بالخطر, و هذه عادة مصرية أصيلة فى أوقات الخطر تظهر معادن المصريين. أحرز المصريين الهدف الرابع ثم أتبعوه بخامس و أرتج الملعب عند هذه اللحظة, و ضغط البرازيليين بكل قوة.

وعند إحتساب إحدى المخالفات على حدود منطقة جزاء مرمانا و بعد لعب الكرة إقترب منى أحد الأصدقاء و كان حارس مرمى المصريين و طلب منى إنهاء المباراة بحجة دخول الليل و صعوبة رؤية الكرة لأن هذه فرصة أن تنتهى المباراة و نحن متفوقين على البرازيليين بهذه النتيجة!! هنا أنفجرت فى الضحك على هذه الفكرة الكوميدية و المعقولة فى نفس الوقت. بالفعل بعد دقائق قليلة أوقفت اللعب و أخبرت الجميع أن الرؤية أصبحت صعبه و هى بالفعل كانت كذلك و من عجب أن البرازيليين تقبلوا الأمر بصدر رحب و تقبلوا الهزيمة!!

هذه القصة علمتنى الا أتعامل مع الأحداث أو المواقف بالقناعات المسبقة خاصة إذا كانت متعلقة بالتحديات. سوف اقص لكم فى تدوينات لاحقة عن بعض المواقف المشابهه لتلك القصة و التى علمتنى أن لا أقلل أبداً من إمكانياتى و لا أبالغ فى تقدير قوةالمنافس.

إنتهت الليلة بموقف عصيب حيث ان زميلى و الذى كان يشاركنى فى غرفةالمعيشة, و هو بالمناسبة مصرى, قد تعرض لإزمة صحية بعد الفجر و ظل يوصينى أن أبلغ أمه السلام ظناً منه أنه يحتضر. الحمد لله مر الأمر بسلام و صاحبى ما زال حتى وقت كتابة هذه التدوينة حيٌ يرزق

إنتهت إقامتى فى واشنطن العاصمة, و فى الصباح الباكر بدأ الكل فى التحرك إلى ولايته التى سوف يدرس فيها.

أراكم فى التدوينة التالية إن شاء الله ...

الأربعاء، 29 فبراير 2012

المقبرة الوطنية!!

لا زلنا فى العاصمة واشنطن


لم أرغب فى ان أتحدث عن هذا الموضوع فى معرض حديثى فى التدوينة السابقة مدينة الشيكولاتة Chocolate City  نظراً لأهمية هذا الموضوع من وجهة نظرى, و لكننى فضلت أن افرد لها تدوينة خاصة. لأن هذا الموضوع سوف يعطينا إنطباعاً عن كيفية نظر الدولة الأمريكيةلأبطالها السابقين, و هذا بالطبع يعطينا إنطباعاً عن كيفية تعامل الدولة مع مواطنيها الحاليين.


كل شىء فى هذه المقاطعة الجميلة يدعوك للتعجب من الحال الذى وصلت إليه بلادنا و الحال الذى وصل إليه الأخرون, و لكن عند زيارتك للمقبرة الوطنية "National Cemetery" سوف يزداد تعجبك. المقبرة الوطنية هى مكان واسع سوف تحتاج لمجهود جبار للتجول فيه كلها, بها قبور كل الجنود و الظباط الذين ماتوا فى الحروب الأمريكية على مر التاريخ الأمريكى أو كل من ماتوا دفاعاً عن المبادىء الأمريكية. و من عجب أنك سوف تجد به قبور لبعض المغاربة العرب الذين شاركوا فى الحرب العالمية الثانية تحت اللواء الأمريكى و الأكثر غرابة أنك سوف تجد قبور لبعض الجنود المسلمين الأمريكين الذين قتلوا فى الحروب الأمريكية المختلفة!!


أكثر ما يجعلك تتعجب فى هذا المكان كيف أن الأمريكيين يحترموا من ضحوا فى سبيل هذا الوطن و يوقروهم سواء أحياء أو أموات. فالقائمون على إدارةالبلاديقدروا قيمة المواطن الأمريكى كثيراً و يضعوا حياته فوق كل إعتبار, و لأن التجنيد فى الجيش الأمريكى ليس إجبارى فهم ينظرون إلى المتطوعين فى الجيش الأمريكى نظرة كلها تقدير و إحترام لأنهم مستعدون للتضحية بحياتهم للدفاع عن المعتقد الأمريكى. و للعلم على الرغم من أن التجنيد هناك إختيارى إلا أنه يتم منح مميزات غير عادية للمتطوعين لتحفيزهم على الإلتحاق بالجيش الأمريكى مثل المنح الدراسية و المرتبات ضخمة و التأمين الصحى الشامل.


فى هذه المقبرة يرقد جثمان الرئيس الأمريكى الـ 35 جون كنيدى و الذى أغتيل فى عام 1963 فى ربوة مرتفعة قليلاً عن الأرض كنوع من التكريم لهذا الرئيس و الذى يمثل موته صدمة للكثير من الأمريكيين حتى الأن.


زيارة هذا المكان دفعتنى للتعجب من حال تعاملنا مع أبطالنا فى حروب أكتوبر و ما قبلها فالفريق سعد الشاذلى مهندس حرب أكتوبر و رئيس عمليات القوات المسلحة المصرية فى هذا الوقت عاش نصف عمره هارب من البلاد و سرقت إنجازاته كلها و نسبت ظلماً للمخلوع مبارك. فإذا كان هذا حال رئيس عمليات الجيش المصرى فى حرب أكتوبر فسوف يكون الحديث عن أحوال شهداء الحرب و الأسرى المصريين فى السجون الإسرائيلية مثير للسخرية و الضحك.


لا تتخيل كون أن المكان مكان لدفن الموتى انه مكان مقفر و موحش. العكس تماماً هو الصحيح, فالمكان يتميز بوجود الخضرة و الأشجار العالية و الزهور الجميلة و الأعجب من ذلك أنه مزدحم بالزائرين ما بين من جاؤا لزيارة قبور ذويهم, أو السائحين, أو الوفود الطلابية التى جائت للتعرف على تاريخ البلاد!!


يمكنك أن تضبط ساعتك على موعد تغير حرس شرف قبر الجندى المجهول. ففى تمام الساعة الثانية عشر ظهراً يتم تغيير طاقم حرس الشرف بطاقم أخر. و فى تلك الأثناء و قبل البدء فى إجراءات تغيير طاقم الحراسة يقوم أقدم رتبة فى المكان بالتنبيه على الجميع 
بإلتزام الصمت التام إحتراماً للجندى المجهول!! 


أترككم مع هذا الفيديو المثير للإحترام!!






إذا كان هذا حال بلاد تحترم قبور أبطالها الذين ماتوا فى سبيل بلادهم, فكيف سيكون حال تلك البلاد حيال مواطنيها الأحياء!!


نلتقى فى التدوينة القادمة إن شاء الله

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

مدينة الشيكولاتة Chocolate City

واشنطن العاصمة
من المظاهر الملفتة للنظر فى العاصمة الأمريكية هى أن معظم سكانها من أصحاب البشرة السمراء و لا عجب فى ذلك فالمدينة تشتهر باسم "Chocolate City"  أو مدينة الشيكولاته نظراً لوجود الكثير من أصحاب البشرة السمراء من ساكنى تلك المدينة.

واشنطن هى ليست المكان الوحيد فى الولايات المتحدة الأمريكية الذى يحمل هذا الأسم فهناك ولاية واشنطن فى الشمال الغربى من أمريكا على الحدود مع كندا و يطلق الأمريكيين على واشنطن العاصمة اسم "D.C" إختصاراً كإشارة للعاصمة, فى حين إنهم يقولون واشنطن سياتل فى الأشارة للولاية الشمالية حيث أن سياتل هى اكبر مدينة فى الولاية و معقل عملاق الحاسبات مايكروسوفت العالمية.

العاصمة الأمريكية لا تتبع أى ولاية فيدرالياً فهى منطقة مستقلة بذاتها تقع بين ولايات نيويورك و فيرجينيا و بنسلفانيا و هى ليست مدينة و لكنها مقاطعة "Washington District of Columbia" أو "Washington D.C" و هى  مقاطعة  جميلة و هادئة و بطبيعة الحال يوجد بها أهم مؤسسات الدولة كالبيت الأبيض مقر الحكم و مجلس الشيوخ الذى يصدر القرارات التشريعيه فى البلاد و بعض الوزارات. و من عجب أنه فى هذه المقاطعة يوجد وزارة يطلق عليها أسم وزارة الداخلية و لكنها ليست كوزارة الداخليه فى مصر تختص بتعذي... أقصد حفظ الأمن فى البلاد و لكنهاتختص بالحفاظ على المظهر الحضارى للدولة كالأهتمام بالحدائق و المتنزهات  العامة و غيرها.

من أجمل الأشياء التى لفتت نظرى فى هذه المقاطعة الجميلة و الهادئة هى وجود مسجد كبير مبنى على الطراز العربى و له مئذنة عالية. كانت لحظة جميلة اقشعر لها بدنى حينما وقعت عينى على مسجد لأول مرة فى بلد دأب الأعلام فى بلادنا ان يصفها بالمجون و الفجر.


مسجد واشنطن العاصمة

لا يمكنك أن تزور المقاطعة بدون زيارة البيت الأبيض مقر الحكم فى أمريكا. فى الحقيقة زيارة هذا المكان توضح معنى الديموقراطية الأمريكية بجلاء فهناك سوف تجد ما لم و لن تراه للأسف فى بلادنا حتى فى القريب العاجل. طبيعى جداً ان تقترب من سور البيت الأبيض و لا ضير أن تجد الرئيس الأمريكى فى أثناء خروجه أو دخوله يلوح للزائرين. أنتم بالطبع تعرفون عاقبة الإقتراب من أحد القصور الرئاسية فى بلادنا. أذكر ان المرشد السياحى الذى رافقنا فى أثناء الزيارة قد أخبرنا بأن الرئيس الأمريكى بوش الأبن ليس بداخل البيت الأبيض للخروج للجماهير و التلويح لها و حمدت الله على أننى لم أرى هذا الوجه العنصرى البغيض.

هناك يُنظر إلى الرئيس على أنه رمز الدولة الذى له كل تقدير و إحترام و لكنه ليس فوق البشر أو نصف إله كما هو الحال فى بلادنا. نظام الحكم قائم على فكرة التعددية و المؤسسية. فمجلس الشيوخ و الكونجرس يقوموا برسم السياسات الأمريكية فى الداخل و الخارج و الجيش الأمريكى منوط بحماية الأراضى الأمريكية فى الداخل إذا عجزت الشرطة عن ذلك وحماية المصالح الأمريكية فى الخارج إذا أستدعى الأمر التدخل عسكرياً. أما رئيس الدولة فهو يقوم بمساعدة مساعديه و على رأسهم نائبه و وزير خارجيتة بمتابعة تنفيذ تلك السياسات و التصديق على قرارات مجلسى الشيوخ و الكونجرس. من ذلك ندرك أن اللعبة ليست فى يد شخص واحد أو مجموعة أشخاص قليلة.
البيت الأبيض

من أعجب الأشياء التى وجدتها عند البيت الأبيض هو إمراة عجوز تقيم فى خيمة قديمة و مهلهة أمام سور البيت الأبيض مباشرة و حينما أقتربت من الخيمة فهمت من بعض اللوحات المعلقة على قماش الخيمة أنها إمراة من بوليفيا!! قررت الإعتصام أمام البيت الأبيض إعتراضا على وحشية الجيش الأمريكى الذى ألقى قنبلتى هيروشيما و نجازاكى على اليابان فى الحرب العالمية الثانية!! و الجميل فى الأمر ان احداً لم يقم بفض إعتصامها بالقوة أو حتى باللين أو يتعرض لها بأى شكل. ليست تلك المرأة فحسب, هناك أيضاً بعض الأشخاص الذين قرروا الإعتراض على بعض السياسات الأمريكية فى العالم على طريقتهم الخاصة بإرتداء ملابس غريبة أو رفع شعارات كنوع من الإعتراض.


من الأماكن التى قمت بزيارتها فى تلك المقاطعة الجميلة هو مجلس الشيوخ أو ما يطلق عليه بالـ "Senate House" و هو يشبه مجلس الشعب لدينا حيث أن كل ولاية يكون لها ممثلين فى هذا المجلس و الذى يختلف عددهم على حسب عوامل عدة
مجلس الشيوخ أو الـ Senate House
على الجهة الأخرى من هذا المبنى يوجد ما يسمى بالنصب التذكارى للرئيس لينكولن "Lincoln Memorial" و هو نصب تذكارى أقيم لتخليد ذكرى الرئيس الأمريكى الـ 16 إبراهام لينكولن و الذى قام بتوحيد الشمال و الجنوب بعد إنهاء الحرب الأهلية. يشتهر هذا المكان بوجود مسلة فرعونية, وحينما سألنا عن سبب وجود هذه المسلة فى هذا المكان, أخبرنا المرشد السياحى أن المكان كله صمم على الطراز الرومانى ورأى القائمون أن يتم وضع هذه المسلة كرمز للحضارة المصرية القديمة و لكى يصبح المكان رمزاً لتلاقى الحضارات. و من أشهر ما يميز هذا المكان هو تصوير أخر مشاهد فيلم "فورست جامب" بطولة النجم توم هانكس. و الأهم من ذلك هو إقامة مراسم تسليم السلطة لأول رئيس أمريكى أسود منتخب و هو باراك أوباما.

النصب التذكارى للرئيس لينكولن "Lincoln Memorial"




نلتقى فى التدوينة القادمة إن شاء الله

الاثنين، 27 فبراير 2012

بداية الرحلة

أغسطس 2008
و على بركة الله بدأت الرحلة.... 

أغرب ما فى البداية هو مطار القاهرة... كل حاجة فى مصر بتعذبك المواصلات, الروتين, الزحمة, غلاء الأسعار, تعامل الناس مع بعضها, اللى لازقين فى الكراسي, كل حاجة كل حاجة.... لكن فى مطار القاهرة الموضوع كان غريب شوية. مكان نظيف و منظم على غيرالعادة, الأمور تسير بسلاسة و الإجراءات تمر بيسر و ظباط الجوازات منضبطين و لكن بإحترام شديد على غير عادة الشرطة. و يبدو أن مصر تعامل أبنائها بإحترام بس لما يحبوا يخرجوا منها. لم يعكر صفو الجو الجميل ده إلا الموظف المسئول عن وزن الشنط ,فعلاً كان إنسان سمج و التكشيرة مش عايزة تسيب وشه... المهم ركبت الطيارة.

ديه ما كانتش أول مره اسافر فيها بره مصر. لأنى قبل كده سافرت و أنا طالب فى الجامعة لسوريا الحبيبة و اللى انا عامل لها قسم خاص فى المدونة لأن الشعب السورى ده حدوتة تانية و حرام اللى الجزار بشار بيعملوا فيهم ده.

رحلتى كانت على طيران دلتا الأمريكى و طاقم المضيفين كان كله أمريكيين ما عدا واحد مصرى و فى الغالب كان موجود على الطيارة علشان لو حد مش بيعرف يتكلم إنجليزى. الأخ ده بقى  كان أرخم من موظف الوزن و كان فظ جداً. الغريب فى الموضوع انه كان ذوق جداً مع الأجانب و مكانش كده خالص مع المصريين!! مش عارف هى ديه عادة المصريين مع بعضهم و لا عقد و مركبات النقص بتظهر فى المواقف اللى زى ديه؟


لما ركبت الطيارة حظى كان فى كرسى جنب الشباك و لما بدأت الطيارة فى الإرتفاع بدأت الأشياء على الأرض تصغر و تصغر لحد ما بقاش فيه تفاصيل تتشاف, بقى فيه ملامح لخريطة مصر و فى ثوانى معدودة عدينا من فوق الدلتا و بعدها بقينا فوق الإسكندرية. الواحد كان بيقول فعلاً سبحان الله, اد ايه الأنسان ده صغير و ضئيل فى كون ربنا الواسع اللامتناهى ده لكن الأنسان بغروره فاكر انه قوى و كبير.

عدينا من فوق البحر المتوسط و أخترقنا معظم بلاد أوروبا الغربية فى إتجاهنا للمحيط الأطلنطى قبالة سواحل إنجلترا. فعلا الرحلة كانت ممتعة و كان اميز ما فيها على الرغم من طول فترة الطيران, حوالى 13 ساعة طيران متصل, ان الواحد اتفرج على مناظر طبيعية جميلة كتير وديان و انهار و بحار و جبال و كانت الكلمة اللى على لسان الواحد اغلب 
الوقت سبحانك يارب على عظيم خلقك.

زى ما الرحلة بدأت من مطار القاهرة الدولى الساعة 12 ظهراً انتهت على الجانب الأخر من الكوكب و تحديداُ فى مطار جون كنيدى فى نفس التوقيت. هاتقول لى إزاى... هاقولك اصل الموضوع مرتبط بعلم الفلك. طول الرحلة و الشمس ماشية معانا لأننا كنا بنتجه ناحية الغرب فى نفس الوقت اللى الشمس بتتحرك فيه معانا من الشرق فى إتجاهها للغروب. يعنى ايه الكلام ده؟ يعنى انت لما تسافر من الشرق للغرب انت بتكسب وقت لأنك بتتحرك فى نفس إتجاه حركة الشمس و العكس صحيح. مثلأ انت لما تسافر من القاهرة لأمريكا و تبدأ تتحرك من القاهرة على الساعة مثلا 6 الصبح هايكون الوقت فى أمريكا ساعتها حوالى 1 الظهر بتوقيت الساحل الشرقى . فلما توصل بعد 13 ساعة هايكون اليوم فى القاهرة خلص و اليوم هايبدء لسه فى أمريكا!! ده اللى خلانى لما صحيت من النوم فى الطيارة و لاقيت الدنيا لسة نهار أقول لواحد صاحبى احنا لسه بدرى على ما نوصل؟! بعديها بساعة كده وصلنا!!!

و أخيراً وصلنا و الحمدلله...... أول حاجه عنيا وقعت عليها هو تمثال الحرية رمز أمريكا و الذى يربض فى جزيرة  على  المحيط الأطلنطى عند مدخل نيويورك الشرقى و التمثال ده حكايته حكاية هانتكلم عليها فى تدوينة تانيةإن شاء الله.


هبطت الطيارة بسلام و وقفت شوية على الممر و لما حبينا نعرف فى إيه عرفنا إن فى طيارة واقفه على الممر و بتنزل ركابها ببص من شباك الطيارة لاقيتها طيران العال الإسرائيلى!!! كل الحساسيات التاريخية اللى جوا كل واحد مصرى و عربى تجاه أمريكا و إسرائيل جات على بالى فى اللحظة ديه, و جيه فى دماغى أفكار من عينة أكيد هايركنوا طيارتنا اللى جايه من القاهرة علشان يرحبوا بركاب العال الإسرائيلى و هايعملوهم المعاملة المحترمة و إحنا هانتبهدل تفتيش و و و . الموضوع كان بسيط و مكانش محتاج كل الحساسيات ديه لأن طيارة العال كانت واقفه قبلنا و كان بديهى أن ركابها ينزلوا قبلنا!!

نزلنا من الطيارة و طبيعى أنك هاتعدى على بوابات الأمن اللى بنسمع عنها قصص الرعب من بعد أحداث 11 سبتمبر بصراحة انا كنت قلقان جدا و شايل هم اللحظة ديه. من اللحظة ديه بدأت أشوف ناس تانية
 بعقلية مختلفة. الموضوع بسيط و أسهل من كل الهجص اللى الإعلام بتاعنا عمال يقوله عن إجراءات الأمن فى مطارات أمريكا من بعد الحادثة الشهيرة. أول واحد قابلته فى المطار كان هو بطبيعة الحال ظابط الجوازات و اللى هو زيه زى عادة أى ظابط جوازات فى أى مطار, شخصية صارمة, لا يترك مساحة لفتح أى حوار, يلجأ للغة الإشارة أكثر من الحديث و هذا مفهوم بطبيعة عملهم. المهم الظابط ده خد جوازى و فحصه بأجهزة فحص الجوازات و طلب منى الوقوف فى إتجاه الكاميرا و طلب منى انى اخلع الكاب من على رأسى ثم ألتقط لى صورة تؤخذ لكل من يزور الأراضى الأمريكية لأول مره و ببساطه شديدة أعطانى جواز سفرى!!


الموضوع سهل كده و أمريكا لسه فى حرب ضد العراق و أفغانستان و القفا اللى خدوه فى 11 سبتمبر لسه معلم على قفاهم؟؟ و العالم كله شايف الهوايل ديه بسبه!! بعد كده عرفت من مسئول فى الكلية اللى انا بدرس فيها ان أى واحد فى العالم بياخد تأشيرة دخول لأمريكا من بلده بيعامل على الأراضى الأمريكية معاملة الأمريكيين تماماً ماعدا فى ممارسة الحقوق السياسية و إمتيازات القروض و بعض الأشياء الأخرى. و المنطق فى ده إن السفارة الأمريكية فى البلد اللى انت جاى منها بتتأكد تماماً إنك مش هاتتسبب فى أى مشاكل على الأراضى الأمريكية, و ده بيفسر صعوبة إجراءات الحصول على تأشيرة دخول أمريكا.

يبدو أن سهولة إجراءات الدخول لم تقلل من المخاوف اللى كانت لسه مسيطرة عليا  عن المطارات الأمريكية, منه لله الإعلام المزيف بتاعنا, المهم روحت على السير علشان أخد شنطى و انا متوقع انى هالاقى ناس بتتفتش شنطها و اخر بهدلة. لاقيت ناس واقفه عند سير الشنط و بتاخد شنطها بمنتهى اليسر و السهولة و بتمشى بيها من غير ما حد يعترض طريقها!! أخدت شنطى و انا متوقع ان فى بوابة تانيه و هايتطلب منى انهم يفتحوا شنطى و هايحصل معايا الفيلم الأمريكانى أياه و هاتفتش و هايشتبهوا فى اسمى لكن بردو كل ده ما حصلش!!

انتقلت لبوابة تانيه علشان هاركب طيارة تانيه رايحة لواشنطن العاصمة. عند البوابة ديه طلبوا مننا إننا نخلع الأحزمة و اى اجزاء معدنية زى الساعات و غيرهاو الأغرب أنهم طلبوا إننا نقلع الأحذية. طبعا الموضوع ده ماعداش عليا انا و اصحابى المصريين بسهولة وفضلنا نتتريق عليه, بعدين عرفنا ان ممكن ناس تخبى متفجرات فى نعال الأحذية. المهم لما لاقينا الناس كلهم بيقعلوا بما  فيهم كبار السن قولنا ياعنى هى جت علينا اقلع يا عم الحاج. وقفنا فى الطابور الطويل علشان ناخد دورنا و نعدى من البوابة ديه و لاقيت معظم أجناس البشر واقفة فى الطابور ده, أصل مطار جون كنيدى ده واحد من أهم مطارات أمريكا و اللى معظم الرحلات اللى جايه أو طالعه من أمريكا بتخرج منه. طبعا غنى عن التعريف إنى أقول إن المطار تم تسميته على أسم الرئيس الأمريكى الشاب جون كنيدى (كنيدى هو الرئيس الـ 35 فى تاريخ أمريكا) و الذى تم إغتياله فى عام 1963

و انا واقف فى الطابور لاقيت ورايا مجموعة من الإسرائيلين واللى واضح انهم كانوا من مخلفات طيارة العال اللى كانت واقفه على الممر قبلينا. كان واضح جداً من طريقة لبسهم الطاقية اللى بيحطوها على راسهم و لغتهم العبرية اللى شبه لغتنا العربية إنهم إسرائيليين. فى اللحظة ديه انا قررت انى اتعود على وجود إسرائيليين كتير و أحسن حل انى ما اركزش معاهم علشان الفترة اللى هاقضيها فى أمريكا تعدى على خير.

عدينا البوابة بسلام و الحمدلله و طيارتنا إتاجلت اكتر من مره و ده الطبيعى فى مطار جون كنيدى اللى عليه ضغط غيار عادى. حبينا نصلى المغرب و العشاء فبدأنا ندور على مكان نصلى فيه و الأهم من ده كنا عايزين نعرف مكان القبلة. بدأنا نسأل و كان طبيعى أننا نسأل موظفي المطار فلاقينا أفراد أمن كده واقفين فسألناهم عن إتجاه الشرق إزاى فاستغربوا من السؤال و بدأوا كده ينظروا لنا بريبة شوية. فلما عرفوا إننا عايزين نصلى رجعوا تانى لطبيتعتهم اللطيفة و بدأوا يسألونا انتوا منين و كده فلما سألناهم نصلى فين قالوا لنا فى أى مكان انتوا تحبوه. المهم بدأنا نصلى و ديه كانت أخر حاجه عملناها فى مطار جون كنيدى و بعدها ركبنا الطيارة التانية فى طريقنا إلى واشنطن العاصمة.


أشوفكم فى التدوينة التالية إن شاء الله.

مطار جون كنيدى

الموقع الرسمى للمطار http://www.jfkiat.com

الأحد، 26 فبراير 2012

المدونة ديه ليه؟؟؟

المدونة ديه ليه؟؟؟
من زمان و أنا بحب الكتابة, و زمان ديه من و أنا عندى حوالى 10 سنين تقريباً. كان نفسى يبقى ليا دفتر يوميات أكتب فيه خواطرى و اشاركها مع الناس بس كل مره كنت بنوى أبدء اكتب و ما كنتش ببدء!! مش عارف ده كسل منى و لا يمكن مافيش وقت بس انا الصراحة برجح الأولانيه. مش كده و بس, يمكن علشان زمان اللى هو لما كان عندى 10 سنين (أنا مش عجوز اوى على فكرة) مكانش سهل انك تكتب و الناس تقرا اللى انت بتكتبه. لكن دلوقتى بعد وجود الأنترنت بقى سهل أوى انك تعمل ده.
طيب نرجع بقى للسؤال بتاعنا ليه المدونة ديه؟؟
المدونة ديه علشان افضفض بس بصوت عالى شوية, و انقل اللى انا اتعلمته من الحياة للناس يمكن حد ينتفع بيه و لما أموت يمكن يكون صدقة جارية على روحى. و لأن انا مؤمن ان المعرفة لازم يكون لها أجنحة و لازم تتنقل من مكان لمكان بدون حواجز و مش لازم تكون حكر على حد هاكتب اللى ربنا يقوينى عليه. عسى ان ينتفع بيه أى حد معدى و يدعيلنا.  انا عارف انا اللى هاقوله هنا مش هايعجب كل الناس, و ده مش هدفى ابدا, لان الناس عمرها ما اتفقت على حاجة ابدا و دية سنة ربنا فى الكون اننا نكون مختلفين فى كل حاجه الشكل و اللون و اللغة و الأفكار علشان يبقى الحياة ليها معنى
كل اللى انا بتمناه من اللى هايقرا الكلام ده انه لو معجبهوش انه يلتزم بأدب الحوار. و أنا عن نفسى هاتقبل النقد و الاختلاف فى الرأى ما دام فى إطار الإختلاف فى وجهات النظر و ليس فى إطار الجدل العقيم
تحياتى للجميع
واحد و خلاص