الخميس، 18 فبراير 2016

البوصلة

(1)
ربنا سبحانه و تعالى رحيم جداً بعباده. ربنا عارف إن الطريق إليه صعب أوى و مليان عثرات, و علشان يهون علينا الطريق ده بيبعت لنا ناس تورينا الطريق. أول ناس بتخلى بالها عليك فى الغالب بيكونوا أبوك و أمك. أنا كنت و الحمدلله رزقى واسع فى الحتة ديه. فتحت عينيا على أب و أم عمرهم ما فكروا فى نفسهم أكتر ما فكروا إنهم يربونى أنا و أخواتى تربية كويسه. كانوا دايماً مهتمين إنهم يعلمونا معانى العزة و الكرامة. ممكن هما ما قدروش يوفروا لنا حياة كريمة أوى, بس هما وفروا لنا حياة شريفة. زرعوا جوانا معانى كبيرة جداً ثقلها الذهب. علمونا إننا نرضى برزق ربنا القليل و نشكره على رزقه الكتير. علمونا نحب الناس و نحترم الجميع.... فى تدوينات جايه إن شاء الله هاتكلم فى الموضوع ده تفصيلاً.
(2)
يونس جاد المولى... مدير عام الوعظ بمحافظة الجيزة.
تخيل كده لما تكون طفل عمرك لا يزيد عن 8 سنوات و تتربى على أيد عالم ربانى زى الراجل العظيم ده. شخصية نادرة الوجود, كان دايماً رحمة الله عليه بيقول لى "أنا عمرى ما بنسى أتنين الطالب الشاطر و الطالب المشاغب و اللى ما بينهم فى الغالب بنساه" كان دايماً شايفينى واحد من أفضل طلابه, و حتى بعد ما سبت المدرسة اللى هو كان بيدرس لى فيها. كان رحمة الله عليه لما يقابلنى فى الشارع مهما كان مستعجل يقف و يسلم عليا و يتطمن على أخبارى. أنا فاكر يوم ما عرفت خبر وفاته, كأنه إمبارح. بعدها حسيت إنى تايه لفتره, هى الحمد لله ما كانتش فترة طويلة.... ديه تدوينة تانية هاتكلم فيها عن علاقتى بالأستاذ رحمة الله عليه.
(3)
ربيع 1997, ملاعب كلية الزراعة- جامعة القاهرة....العام الدراسى الثانى
الكلية كانت بتنظم فكرة وقتها جديدة من نوعها. كان فى رائد إتحاد لسه متعين جديد, عنده طاقة شاب فى العشرينات. و واقف وراه عميد كلية عايز يعمل لنفسه تاريخ و كان لسه متعين جديد بردو. الكلية كانت بتنظم حدث أسمه لقاء الأجيال. الحدث ده كانت فكرته إن الكلية تدعو كل خريجى الكلية على مر العصور للإلتقاء بالطلبة الحاليين. كانت الفكرة إن الأجيال الجديدة تتعلم من تجارب الأجيال القديمة, و إنها تكون فرصة لإستعادة الذكريات الجميلة. أنا كنت متحمس جداً إنى أشارك فى تنظيم الحدث ده, كان واضح إنى أتاخرت أوى فى طلب المشاركة. بس الأقدار كانت مخبية لى خطط تانية. قدراً كان فى موظف فى رعاية الشباب أسمه أ. صابر كان مسئول عن حاجه معينه فى التنظيم و كان عايز طلبة معاه يساعدوه فيها. فقلت له انا عايز اشتغل معاك فى الحتة ديه, فرحب بيا جداً و من ساعتها أصبحت العلاقة بينا جيدة. و كان دايماً بعدها يقول لى أنت من العيال الجدعة اللى أنا مش ناسيهم من ساعة لقاء الأجيال.
(4)
اللقاء نجح ناجح باهر و كان واضح إن الكلية داخله على مرحلة مهمة جداً فى العمل الطلابى. وقتها اتعرفت على الأستاذ, هو فى الحقيقة أنا كنت اتعرفت عليه وقت تنظيم اللقاء بس كان تعارف سريع لأنه كان مشغول جداً. بعد ما اللقاء خلص صديقى العزيز الذى فرقتنا ظروف الحياة أيمن يونس كان داخل رعاية الشباب وقال لى تعالى معايا.أيمن يونس كعادته بيخطفك, و فى الغالب ما تبقاش عارف انت رايح معاه على فين و لا هاتعمل أيه. بس رصيد الثقة اللى ما بينا طول عمره كان و مازال كبير أوى, و من غير ما أفكر مشيت معاه. دخلنا مكتب الأستاذ و وقتها أ. صابر كان موجود معاه, فأيمن يونس بيعرف الأستاذ بيا, و أول كلمة قالها لى .... "أهلاً يا حسن" صوته العميق المميز و نظرته المتفحصة من خلف النضارة لسه بيرنوا جوايا لحد اللحظة ديه. فضلت بعد كده و لسنين طويله لما يسلم عليا أسمع نفس الجملة بنفس النبرة. نظرته كده مش نظرة واحد عادى, ديه نظرة واحد خبير بالحياة و الناس عايز يعرف مين الشخص اللى بيكلمه. وقتها تدخل أ. صابر و قال له نفس الجملة "حسن ده من العيال الجدعة اللى أشتغلوا معايا فى لقاء الأجيال" فلمحت فى وش الأستاذ إبتسامة خفيفة كده, و كأنه بيقول لى أنت هاتبقى من رجالتى فى المرحلة اللى جاية.
(5)
الأستاذ الدكتور أحمد نجيب السيد شرف....
أنت لازم تقول الأسم كله على بعض كده. فاكر و انا طالب فى الثانوى كان بيدرس لنا مدرس إنجليزى أسمه بولس. فى مرة قال لنا أن كتاب الروايات و الأعمال الأدبية دايماً لما بيختاروا أسماء أبطالها بيختاروا أسماء تعبر عن شخصيتهم. يعنى مثلاً لو بطل العمل أسمه شاكر فغالباً هاتلاقيه طول الرواية بيشكر ربنا على كل حاجة. الحكاية ديه تنطبق تماماً على الأستاذ. شخصية نجيبه جداً و ذكية جداً كل من عرفوها أحبوها. أنا ما شوفتش فى حياتى شخص الناس أجمعت على حبه زى الراجل ده. أحمد نجيب ما كانش ملاك, لأ, أحمد نجيب كان بشر. لكنه كان بشر ليس كمثل كل البشر. كان بداخله الكثير من الخير و الحب للناس و الحياة. كان بيحب ولاده أوى, ولاده المقصود بيهم هنا الطلبة. كانت جملته الشهيرة اللى بيقولها لنا دايماُ " أنتم زى ولادى"..فى أشد لحظات إنفعاله علينا, كان بيبقى حب و حرص أب على عياله. كنا دايماً بنشوفه بيصرف فلوس من جيبه على حاجات تخص شغله فى الكلية. وكنا بنستغرب جداً من ده. كان إنسان بمعنى الكلمة حريص على ولاده الطلبة و موظفى الكلية و على أسم و مكانة الكلية. المواقف و الذكريات مع الأستاذ أمتدت لما يقرب من عشرين سنة, كنت دايماً و ما زالت أنظر إليه بكل تقدير و إحترام حتى و لو أختلفنا فى وجهات النظر.
(6) 
كلية الزراعة- جامعة القاهرة الفترة من 1997 حتى 2000  
مش عارف أقول الصراحه مين اللى كان محظوظ أكثر, جيلنا من الطلاب و لا الدكتور أحمد نجيب. الدكتور أحمد رحمة الله عليه أصبح رائد لإتحاد الطلاب بعد دخول دفعتنا الكلية بسنة بالظبط. هو كان قبلها رائد للجنة الرياضية و حقق نجاحات مبهرة مع اللجنة ديه وده اللى أهله إنه يبقى رائد الإتحاد. دفعتنا كانت مليانه مواهب فى كافة الأنشطة الطلابية فى الفرق الرياضية و الأنشطة الفنية و الثقافية و غيرها. أنا أتصور إن الدفعة ديه تحديداً لو كانت مع أى رائد إتحاد تانى ما كانتش هاتتوهج و تبان مواهبها كده. و فى نفس الوقت الدكتور أحمد رحمة الله عليه, قدر فعلا إنه يبرز المواهب ديه بالشكل الأمثل.
(7) 
السنة الثالثة ليا فى الكلية خلصت بس الصراحه هى كانت سنة غير عادية. فى السنة ديه إتحاد الطلبة قدر ينظم مهرجان للأسر مبهر و غير عادى. و فى الفترة ديه كانت علاقتى بالدكتور أحمد كانت بتكبر كل يوم عن اللى قبله. كنت بحس كده إن الكيمياء ما بينا بتزداد تناغم مع الوقت. إحنا كنا مجموعة كبيرة من الطلبة اللى بتشارك فى الانشطة و كانت المجموعة كلها على أعلى مستوى. ولكن علاقتى تحديداً بأيمن يونس و الصديق الغالى محمد شعبان و شغلنا فى الأنشطة الطلابية مع بعض ساعدنى كتير إن شغلى كطالب نشاط يبان. فى الحقية إحنا التلاته كنا بنحب الدكتور أحمد حب غير عادى و مهما إتكلمنا عنه الحب ده ما حدش هايفهم الراجل ده كان بالنسبة لنا إيه. و فى نفس الوقت الدكتور أحمد كان بيحبنا جداً و بيقدرنا جداً, حتى لما العلاقة بينا أتوترت لفترة فضل ينظر لينا نفس النظرة.
(8) 
نجاح مهرجان الأسر كان فاتحة خير لناس كتير و كنت أنا منهم. رعاية الشباب كانت هاتنظم رحلة لشرم الشيخ بأسعار مخفضة, و فى الوقت ده شرم الشيخ بالنسبة لجيلنا كانت حلم بعيد المنال, لأنها ما كانش حد بيعرف يدخلها أصلاً ده غير أن الفنادق فيها غالية. تم ترشيحى للرحلة ديه و فعلاً أسمى إتكتب فى الكشوف النهائية. كان فاضل بس توقيع الدكتور أحمد, لكنه شطب أسمى و أستدعانى لمكتبه. و بص لى كده و قال لى أنا شطبت أسمك من الكشف و فى حد هايطلع مكانك علشان فى حاجه تانيه أحسن انا عامل حسابك فيها. على الرغم من إنى كان نفسى اروح الرحلة ديه. بس أنا كنت سعيد جداً إن الدكتور أحمد بيفكر كده, إنه شايف إنى أستحق حاجة أحسن. و ما كانش عندى ذرة شك وقتها إن الرحلة ديه لو راحت هايكون فى حاجة أحسن ولا لأ. لأن الدكتور أحمد كان محل ثقة الجميع!!
(9) 
صيف 1999... مكتب رعاية الشباب- كلية الزراعة جامعة القاهرة  
بعد أيام قليلة أيمن يونس بلغنى إن الدكتور أحمد أختارنى أسافر معاه سوريا!! أنا كنت فرحان جداً بطريقة فوق الوصف. الدكتور أحمد كان شخصية عملية جداً, أول ما شافنى قال لى كلمتنى "جهز باسبورك علشان أنت طالع معايا سوريا". رحلة سوريا ديه كانت من العلامات الهامة و الفارقة فى حياتى. أنا كنت أول مره أسافر بره مصر و كان وقتها عمرى 19 سنة. كانت حاجه كده زى الحلم, و اللى مخلينى مبسوط أكتر ان ديه كانت تانى سنة الكلية تتطلع فيها وفد طلابى لزيارة سوريا. المنافسة كانت وقتها شديدة, لأن كان فى طلبة كتير جداً فى الحقيقة يستحقوا يسافروا. أختيار الدكتور أحمد ليا أنا شخصياً, إنى أطلع مع المجموعة كان له فى نفسى أثر كبير جداً. أنا ما زلت حتى هذه اللحظة أتفاخر بإختيارى لهذه الرحلة. الرحلة كانت تفاصيلها كتيره جدا و فى الحقيقة محتاجه تدوينات كتيره جداً. لكن أنا عايز اتكلم عن أهم موقف حصل لى مع الدكتور أحمد فى الرحلة ديه. الدكتور أحمد أول ما وصلنا سوريا سابنا و سافر أمريكا, لأنه كان عنده حاجه هناك لازم يخلصها. وبعد حوالى 5 أو 6 أيام رجع لنا على سوريا. الحقيقة هو كان غاضب جداً و مستاء من تصرفات بعض الزملاء. أجتمع بينا و كان إجتماع عاصف جداً, و لأن أحمد نجيب شخصية قوية جداً و حازمة جداً. كلنا بالمعنى الحرفى للكلمة و بلا إسثناء كانت ركبنا بتخبط فى بعضها من الخوف و الرهبة من الأستاذ. هو كلمنا عن مواقف حصلت من بعض الزملاء و كان قاسى جداً فى رد فعله معاهم, و كلنا كنا شاعرين بإحراج شديد و زعلانين جداً, لأنه كان زعلان جداً. الجميل فى الموضوع, إن الدكتور أحمد أعطانى من جيبه الخاص 200 ليرة سورية و قال لى أمام كل الزملاء "حسن من العيال المحترمة اللى سلوكهم كان رائع, و يا ريت كلكم تعملوا زيه" أنا جوايا كانت طاير من الفرحة, بقى أنا الدكتور أحمد مبسوط منى أوى كده... حتى هذه اللحظة أنا أعتز ما بينى و بين نفسى بهذه الشهادة.
(10) 
خريف 1999... ملاعب كلية الزراعة  
الكلية أيام الدكتور أحمد كانت عامله زى خلية النحل. تقريباً ما كانش فى يوم بيعدى علينا إلا و كان فى فاعلية أو نشاط طلبى نعمله. فعلاً و صلنا لمرحلة إننا كنا بنقعد فى الكلية أكتر ما كنا بنقعد فى بيوتنا. كانت الأيام كلها بهجة و نشاط و تنافس شديد جداً فى إبراز المواهب و الملكات. بعد ما رجعنا من سوريا, الدكتور أحمد كان عامل للطلبة اللى كانوا فى سوريا لقاء كده فى ملاعب الكلية و كان حاضر معانا الدكتور صلاح الأمير رحمة الله عليه. و بعد ما اللقاء خلص, قال لى أنا عايزك يا حسن. أنتظرته طبعاً لحد لما جيه ماشى فركبت معاه عربيته أنا و أيمن يونس. و قال لأيمن, أنا عايزك تجهز لى قايمة إنتخابية و تحط حسن فيها أمين لجنة الأسر. مش عايز أقول لكوا أنا كنت إزاى طاير من الفرحة, على الثقة ديه.
(11)
فى وقت ما عام 2000... السنة الرابعة و النهائية بالكلية
قايمتنا الإنتخابية كسبت الإنتخابات, و مجموعتنا كلها دخلت إتحاد الطلبة. بصراحة الحماس و الطاقة قلت لإن ديه كانت سنة التخرج لمعظمنا و كنا محتاجين نركز شوية فى المذاكرة. فى السنة المؤلمة ديه, حصل موقف سىء للغاية. حتى هذه اللحظة أنا شخصياً على الأقل و أظن إن الكثير مننا ما يعرفش أيه اللى حصل بال[ط. فجأة العلاقة بين أيمن يونس و محمد شعبان و أنا أتوترت جداً مع الدكتور أحمد نجيب. أنا مش حابب أخوض فى تفاصيل المشكلة اللى حصلت لكن أنا هاتكلم عنها هنا بس لأن بعدها حدثت فجوة بين الدكتور أحمد و بينا إحنا الثلاثة أنا شخصياً بتألم جداً لما بتذكرها.
(12) 
الفترة من 2000 إلى 2007  
كلية الزراعة بالنسبة لى عمرها ما كانت مكان درست فيه و علاقته بيا إنتهت مع التخرج و خلاص. كلية الزراعة فى قلبى ليها مكانة خاصة, لإنها بلا منازع أكتر مكان بحبه فى مصر. المكان ده كان شاهد على أجمل و أمتع أيام عمرى كلها بلا جدال. فى فترة دراستى بالكلية كنت مستمع تماماً بكل لحظة فى وقتى. فى الحقيقة أنا ما كانش طموحى إنى أدرس الزراعة, و هى كانت فى ترتيب الرغبات بالنسبة لى رقم 5. و على الرغم من كده الدراسة بالنسبة لى فيها كانت ممتعة. اللى ناس كتير مش عارفاه إن الدراسة فيها صعبة جداً و مرهقة جداً, على عكس الصورة الذهنية المرتبطة فى دماغ الناس, إنها بتطلع فلاحين برخصة و الكلام الظريف أبو دم تقيل ده. بعد التخرج أنا فضلت مداوم على زيارة الكلية كل لما ظروفى تسمح بده. و الأسباب كتيره جداً و على رأسها إنى بحب المكان ده بجنون و كل ركن فيه ليه معايا ذكريات. و لأن كان ليا فى الكلية زمايل لسه ما تخرجوش. و طبعاً فوق كل ده, إن الدكتور أحمد كان موجود لسه كأستاذ فى الكلية. المؤلم فى الموضوع إن الدكتور أحمد كان ساب الإتحاد فى السنة اللى إتخرجت فيها لإن الدكتور سمير أبو الروس عميد الكلية الرائع طلع على المعاش. و العميد الجديد كان شايف إن الدكتور أحمد مش مناسب للمرحلة الجديدة. فى الحقيقة النقطة ديه كانت صحيحة ميه فى الميه. لأن الكلية تخلت عن الطالب تماماً و أصبحت كثير من الخدمات اللى رعاية الشباب كانت بتقدمها للطلبة بالمجان أصبحت بفلوس. الكلام ده كان عكس رؤية الدكتور أحمد. الأسوء من ذلك إن الكلية أصبحت أقرب منها من مكان للعلم إلى مجرد نشاط إقتصادى. فؤجنا مثلاً إن أشجار كتيره تم قطعها و بيعها علشان تتبنى مكانها كافتيريا جديدة و تفاصيل كتيره ما كانتش صح من وجهة نظرى. الأسوء على الإطلاق هو غياب الروح من الكلية فالأنشطة الطلابية أصبحت معدومة و إتحاد الطلاب أصبح هزيل للغاية و لا يقدم خدمات جيدة للطلاب. هذا الكلام ليس المقصود منه الأساءة إلى أحد أبداً فجميعهم أستاذتنا و لهم منا كل التقدير و الإحترام, و لكن فى رأى أنها نقاط تسجل للأستاذ, الذى كان الطالب عنده له الأولوية.
(13) 
أواخر عام 2009... أوائل عام 2010  
كنت لسه راجع من أمريكا طازه بالتيكت بتاع المطار. أنا بعد ما رجعت من أمريكا فقدت روحى كثير من رونقها و إشراقها. أنا عارف إنى بقيت حد تانى غير أنا اللى كنت عليه. الصدمة الثقافية اللى حصلت لى و حتى لحظة كتابة هذه السطور أحدثت بداخلى هزة عنيفة و ما زالت تبعاتها إلى الأن. كان طبيعى جداً إنى اروح أزور المكان اللى أنا بحبه, يمكن اقدر استعيد شوية من عافيتى النفسية و الذهنية. و كمان كان فى سبب تانى و سبب مهم جداً, و هو إن الدكتور أحمد أصبح رسمياً عميد للكلية. طبعاً ما كانش ينفع أفوت حاجة زى كده و كان لازم طبعاً أروح أبارك له على النقلة المهمة ديه و اللى اتأخرت أوى. و أنا داخل لمكتبه قابلت تلميذ الدكتور أحمد الصديق العزيز الدكتور عبد الهادى. و اللى كعادته رحب بيا بحكم سنين العشرة و الصداقة و الأخوة اللى كانت بينا من أيام الأنشطة الطلابية. لما دخلنا مكتب الدكتور أحمد عبد الهادى قال له يا دكتور أحمد حسن لسه جاى من أمريكا لأنه كان بيدرس هناك و جاى يسلم على حضرتك و يبارك لك. بص لى كده نظرة فيها الكثير من الأحترام و قال لى أول كلمة قالها لى فى أول لقاء بينا بنفس الصوت و نفس النظرة و بنفس الأحاسيس "أهلاً يا حسن". دار بينا حديث قصير و قلت له يا دكتور الخطوة ديه اتأخرت أوى لأن مكان حضرتك الطبيعى هو منصب رئيس الجامعة , حضرتك شخصية إدارية من الطراز الأول و كلنا من و إحنا طلبة ده رأينا. طبعاً هو شكرنى بتواضع شديد على الكلام ده كعادته, بس أنا فعلا ً ما كنتش بجامله أبداً لأن هى ديه الحقيقة وده رأى. ثم قال لى جملة هامة جداً و كان هذا أخر ما سمعته منه رحمة الله عليه... "إحنا أشتغلنا مع بعض كتير و حتى لما إختلفنا فضلنا نحب بعض روحتوا و جيتوا بس دايماً كنتوا بتسألوا عليا سواء أنت أو أيمن يونس أو محمد شعبان".... قد أكون لم أره بعدها لمدة 6 سنوات عصيبة و لكن كان و مازال له فى قلبى كثير الكثير.
(14) 
الأستاذ الدكتور أحمد نجيب لم يورث لى علماً و لكنه ورث لى خبرات....
الدكتور أحمد نجيب كان متفوقاً جداً فى دراسته و هذا ما أهله للحصول على الدكتوراة و الأستاذية فى وقت قصير مقارنة بزملائه. ما أعرفه أن الدكتور أحمد لم يورث علماً على غرار الأستاذة الكبار أمثال الدكتور أحمد مستجير أو الدكتور نجيب الهلالى و قد أكون مخطىء فى ذلك. و لكن ما أنا متقين منه, أن الدكتور أحمد صنع من بعده شخصيات كثيرة و أثر فى حياة ناس كثيرة و هذا هو ميراثه الحقيقى. أقول لنفسى هذا سبب أخر للنجاح, فإذا كان لدى من الأسباب الكثير للنجاح فى تحدى الحياة و إثبات الذات, فهذا سبب أخر ليكون ما علمنى إياه الأستاذ فى ميزان حسناته إن شاء الله.
(15) 
ليلة 7 ربيع الثانى 1437 هجرية الموافق 16 فبراير 2016 ميلاديه   
كنت أشاهد مع شقيقى الأصغر عرض مسرحى بدعوات خاصة أهدتنى أياها الشركة التى أعمل بها. و أثناء توقف العرض للإستراحة. جائنى ما يشبه الهاتف يقول لى أن الدكتور أحمد قد توفى أو أننى يجب أن أسأل عنه الرسالة كانت مشوشة قليلاً, لكنها كانت تخص الدكتور أحمد و قد انتفضت حينما خطر ببالى أنه قد يكون توفى أو إنه قد أقترب أجله.... صدق أو لا تصدق لكن هذا ما حدث و الله على ما أقول شهيد!!
(16) 
7 ربيع الثانى 1437 هجرية الموافق 16 فبراير 2016 ميلاديه... مسجد الرحمن الرحيم
أول شخص التقيته أمام المسجد فى رسالة قدرية غريبة فكرت فيها كثيراً كان هو أ. أستاذ صابر. برجاء الرجوع للفقرة الثالثة و الرابعة حتى تفهم ما أقول. كان المسجد ممتلىء عن أخره, و كان الجميع هناك و أنا اقصد بذلك طلاب و خريجين و أساتذة و موظفين و عمال و حتى أفراد أمن الكلية. بعد صلاة الجنازة توجهنا إلى المقابر و قبل إنطلاق أتوبيس الكلية ركبت معنا سيدة كبيرة فى السن يبدو أنها موظفة فى الكلية و على الرغم من إنه لم يوجد لها مكان فى الأتوبيس إلا أنها أصرت أن تذهب معنا و لو وقوفاً لحضور دفن الأستاذ. هذا الموقف أثلج صدرى لأن هذا يعكس حب كل الناس للأستاذ. فى النهاية تبرع لها أحد الرجال بمقعده و أنطلقنا إلى مكان الدفن فى مشهد رائع اصطفت فيه السيارات و الأتوبيسات لتوديع الحبيب أستاذنا أحمد نجيب. كنت أقول لنفسى أه لو مد الله فى عمرك لترى هذا المنظر و تعرف مدى حب الناس لك يا أستاذنا. وحينما وصلنا إلى المقابر ميزت وجوهاً أعرفها أكثر من التى رأيتها فى المسجد,حتى الأن لا أعرف من أين أتوا!!
(17) 
جلس على الرصيف مرتدياً حلته الأنيقة يبكى كالأطفال على فراق رفيق الدرب فى مشهد أثر فى كثيراً. أنا هنا أتحدث عن الرائع الأستاذ الدكتور مجدى شفيق..... الوفاء عندى له ثمن كبير أستاذنا الغالى.
(18) 
طوال الطريق إلى المقابر كنت أدعو الله, أن يهىء لى من الأسباب أن أشارك فى دفن الدكتور أحمد, وهنا حدث مشهد عجيب عند المقابر. حينما تناولنا جثمانه الطاهر لمواراته التراب خلعت حذائى لأنزل معه فى القبر و كان الزحام شديد. هنا وجدت عبد الهادى و شاب لم أعرفه من قبل و جميع الحضور يستمعون لما يقوله هذا الشاب. فحينما تناولنا الجسد قال لى أنتظر هنا لو سمحت فقلت له أن الدكتور أحمد أستاذى و هو الذى قام بتربيتى و أمام إصرارى على النزول معه للقبره, أذعن و تركنى أنزل معه للقبر. كنت أقول لنفسى, أنا أولى منك أن أواريه التراب و هو بمثابة أبى الذى علمنى الكثير و أحتوانى كثيراً. بعد أن وضعنا الأستاذ فى القبر ظل وجه هذا الشبه يرتعد من شدة الأنفعال و الحزن على فراق الأستاذ.... بعد ذلك عرفت أنه محمد ابن الدكتور أحمد نجيب. صدقنى يا عزيزى هذا الرجل الراقد فى التراب الأن فى مقام والدى الذى جاء بى إلى الدنيا.
(19) 
أنا لا أجد غضاضة فى أن أبكى حينما أتألم يستوى ذلك عندى أكان أمام الناس أو بينى و بين نفسى. أنا أجد أن ذلك لا عيب فيه على الأطلاق لأن الضعف طبيعة إنسانية و من الجيد أن يخرج الإنسان مشاعر الألم التى بداخله فى صورة بكاء أفضل من أن يكتمها فى صدره, على عكس السائد فى مجتمعاتنا. فى حياتى كلها و فى أشد أوقات الألم و المحنة, لم أبكى على شىء كبائى أمام قبر الدكتور أحمد نجيب. أحمد نجيب كان بالنسبة لى كالبوصلة التى كانت توجهنى فى الحياة. قد يكون الفترة التى كنت فيها قريب منه للغاية لا تزيد على 3 سنوات و لكنها كانت فترة كافية لظبط إحداثيات شخصيتى. أحمد نجيب لم يكن رجل جمعتنى به فترة فى حياتى و إنتهت, بل كان دليل لى للتعرف على مواطن القوة التى بداخلى و أخراج أفضلها. فى حياة المرء طالت أو قصرت يكون من النادر أن تلتقى بمثل هذا الشخصيات الرائعة الملهمة, التى تجعلك تتعرف على نفسك بصورة جيدة.
(20) 
أكتب هذه الكلمات ليس لرثاء أستاذنا العزيز, و لكن لتكون صدقة جارية على روحه الطاهره و تجربة ملهمة للجميع. أقول لكم أنظروا كيف أن شخص واحد بإمكانه أن يغير فى حياة الأخرين للأحسن فلا تبخلوا على أنفسكم بمن يذكركم بكل طيب و بالخير بعد وفاتكم.
(21) 
إلى أستاذنا و صديقنا و ملهمنا و أبانا الأستاذ الدكتور أحمد نجيب السيد شرف الراقد الأن تحت التراب, لا أقول أبداً وداعاً لأنك فى قلوبنا حى, لعقولنا و أرواحنا ملهم. و لكن أقول لك و كلى يقين و حسن ظن بالله أن أول لقاء لنا بعد ذلك سوف يكون عند حوض النبى محمد صلى الله عليه و سلم, ثم نسكن بعدها إلى جواره فى فردوس ربنا الأعلى. وقتها سوف نتجاذب أطراف أحاديث كثيرة و نتذكر ذكريات رائعة كثيرة, و لربما أستطعت وقتها أن أعبر لك عما قد أكون عجزت أن أشرحه لك فى حياتك, سوف أخبرك كم أنا أحبك و أقدرك و أحترمك.... سلامٌ عليك فى الأولين... و سلامٌ عليك فى الأخرين... وسلامٌ عليك إلى يوم يبعثون.