"لو سمحت يا أستاذ ما فيش مكان لحضرتك إستنانى و أنا هارجع لحضرتك كمان شوية"
هذه جملة من الجمل التى أعتاد أن يرددها أكثر من مرة يومياً و هى تبدو المناسبة الوحيدة التى يقول فيها رأيه و على الجميع أن يحترمه و يستمع إليه!!
إعتاد يومياً ان ينحشر فى تلك العلب الحديدية المسماة بالميكروباص و أن ينتظر مضطراً شأنه شأن غيره من جميع الركاب حتى يقوم السائق بالتحميل. لا أحد يملك الأعتراض على قرارات سائق الميكروباص فبين التوقف أكثر من مره لركوب ركاب فى العربة الممتلئة أصلاً بالركاب و صوت الكاسيت المزعج و أسلوب و لغة السائق الفجة و سلبية الركاب لا أحد يملك الإعتراض!! فاللى مش عاجبه ينزل. طوال سنواته عمره الخمسين لم يملك الإعتراض على شىء فهو يريد أن يمشى جنب الحيط كما أعتاد أن يسمع من أبيه و لا مانع أن يمشى داخله إذا لزم الأمر!!
الطريق مزدحم كالعادة و الحر خانق و نسمات الهواء التى تتسلل عبر نافذة الميكروباص تتسلل فى حياء لتلامس وجهه فيحمد الله على ذلك. فى بطء أكثر من بطء السحلفاة يتحرك الميكروباص, و على العكس من ذلك تتلاحق الأفكار فى عقله المنهك بالهموم و الأحلام المؤجلة على الرغم من كثرتها و زحامها .... كل الأحلام فى حياته صارت مؤجلة و صارت معلبة كما الحياة التى يحياها بين بيته المتواضع الصغير الذى إعتاد أن ينحشر بداخله هو و زوجته و أبنائه الثلاثة ومحل عمله فى المستشفى الحكومى.
"الله يخرب بيت العيال بتوع التحرير اللى خربوا البلد" جملة إخترقت أذنه و دغدغت بعض المشاعر لديه, أراد أن يدافع عن شباب التحرير أو "الورد اللى فتح فى جناين مصر" هكذا إعتادت إبنته الكبرى أن تقول و هو لا يعلم انها قصيدة كتبها أحمد فؤاد نجم لرثاء شهداء ثورة 25 يناير. هى أول فرحته و خريجة الجامعة التى شاركت أبناء جيلها الإنتفاض ضد سلبية الأجيال التى سبقتها. همّ أن يشرح للرجل أن هؤلاء الشباب أعادوا لمصر روحها و شبابها, لكنه ما لبث أن عاد لتلك السلبية التى هى سمة جيله, فهو يريد أن يذهب إلى محل عمله لا أكثر و مش عايز وجع دماغ.
إعتاد أن يرى ألواناً و صنوفاً من البشر فى كل يوم تغدو و تروح قاصدة ذلك الصندوق الصغير الذى يصعد ويهبط محمل بأرتال من البشر. والتى إعتاد أن يتعامل مع ركابه بروتينية بحتة لا تختلف عن تلك الحياة التى يحياها. القلق يتلهمه إلتهاماً فموعد زفاف إبنته الكبرى على الأبواب و بالكاد إستطاع أن يدبر بعض النفقات. ما زال يحلم أن يبنى بيته على قطعة الأرض التى أشتراها بعد بيع ميراث والده فى الصعيد ليتزوج فيه أبنه الأوسط طالب الثانوية بعد تخرجه من الجامعة و لا مانع ان تتزوج فيه ابنتيه الأخرتين إذا لم يستطع أزواجهم المتوقعين تدبير نفقات شراءالشقة. حتى هذا الحلم صار بعيد المنال فإرتفاع كلفة مواد البناء لن يمكنه من ذلك .
"تين تين".. ذلك الصوت الذى أصبح يتعامل معه حتى بروتينة هو الأخر, هو الذى أخرجه من دوامة الأفكار التى تلتهم رأسه. بروتينة إعتاد عليها نادى على ضيوفه المؤقتين "اللى عايز الدور الرابع يتفضل يا حضرات". خرج جميع الركاب ليتركوه وحيداً فى مصعد المستشفى الذى عاود رحلة الهبوط للدور الأرضى و معه عادت دوامة الأفكار إلى رأسه المكدود. فى تلك الغرفة الصغيرة الممتدة لأمتار قليلة و التى قضى بداخلها اكثر من نصف عمره بدت اللحظات ثقيلة و الحياة براحبتها بدت أمامه كعلبة صغيرة ... كل شىء فى حياته صار معلباً بلا طعم إلا من الهموم والأحلام المؤجلة!!
هذه أول قصة قصيرة أكتبها ... القصة جائتنى من وحى مصعد أستقليته لزيارة أحد الأقارب فى مستشفى حكومى.
هذه جملة من الجمل التى أعتاد أن يرددها أكثر من مرة يومياً و هى تبدو المناسبة الوحيدة التى يقول فيها رأيه و على الجميع أن يحترمه و يستمع إليه!!
إعتاد يومياً ان ينحشر فى تلك العلب الحديدية المسماة بالميكروباص و أن ينتظر مضطراً شأنه شأن غيره من جميع الركاب حتى يقوم السائق بالتحميل. لا أحد يملك الأعتراض على قرارات سائق الميكروباص فبين التوقف أكثر من مره لركوب ركاب فى العربة الممتلئة أصلاً بالركاب و صوت الكاسيت المزعج و أسلوب و لغة السائق الفجة و سلبية الركاب لا أحد يملك الإعتراض!! فاللى مش عاجبه ينزل. طوال سنواته عمره الخمسين لم يملك الإعتراض على شىء فهو يريد أن يمشى جنب الحيط كما أعتاد أن يسمع من أبيه و لا مانع أن يمشى داخله إذا لزم الأمر!!
الطريق مزدحم كالعادة و الحر خانق و نسمات الهواء التى تتسلل عبر نافذة الميكروباص تتسلل فى حياء لتلامس وجهه فيحمد الله على ذلك. فى بطء أكثر من بطء السحلفاة يتحرك الميكروباص, و على العكس من ذلك تتلاحق الأفكار فى عقله المنهك بالهموم و الأحلام المؤجلة على الرغم من كثرتها و زحامها .... كل الأحلام فى حياته صارت مؤجلة و صارت معلبة كما الحياة التى يحياها بين بيته المتواضع الصغير الذى إعتاد أن ينحشر بداخله هو و زوجته و أبنائه الثلاثة ومحل عمله فى المستشفى الحكومى.
"الله يخرب بيت العيال بتوع التحرير اللى خربوا البلد" جملة إخترقت أذنه و دغدغت بعض المشاعر لديه, أراد أن يدافع عن شباب التحرير أو "الورد اللى فتح فى جناين مصر" هكذا إعتادت إبنته الكبرى أن تقول و هو لا يعلم انها قصيدة كتبها أحمد فؤاد نجم لرثاء شهداء ثورة 25 يناير. هى أول فرحته و خريجة الجامعة التى شاركت أبناء جيلها الإنتفاض ضد سلبية الأجيال التى سبقتها. همّ أن يشرح للرجل أن هؤلاء الشباب أعادوا لمصر روحها و شبابها, لكنه ما لبث أن عاد لتلك السلبية التى هى سمة جيله, فهو يريد أن يذهب إلى محل عمله لا أكثر و مش عايز وجع دماغ.
إعتاد أن يرى ألواناً و صنوفاً من البشر فى كل يوم تغدو و تروح قاصدة ذلك الصندوق الصغير الذى يصعد ويهبط محمل بأرتال من البشر. والتى إعتاد أن يتعامل مع ركابه بروتينية بحتة لا تختلف عن تلك الحياة التى يحياها. القلق يتلهمه إلتهاماً فموعد زفاف إبنته الكبرى على الأبواب و بالكاد إستطاع أن يدبر بعض النفقات. ما زال يحلم أن يبنى بيته على قطعة الأرض التى أشتراها بعد بيع ميراث والده فى الصعيد ليتزوج فيه أبنه الأوسط طالب الثانوية بعد تخرجه من الجامعة و لا مانع ان تتزوج فيه ابنتيه الأخرتين إذا لم يستطع أزواجهم المتوقعين تدبير نفقات شراءالشقة. حتى هذا الحلم صار بعيد المنال فإرتفاع كلفة مواد البناء لن يمكنه من ذلك .
"تين تين".. ذلك الصوت الذى أصبح يتعامل معه حتى بروتينة هو الأخر, هو الذى أخرجه من دوامة الأفكار التى تلتهم رأسه. بروتينة إعتاد عليها نادى على ضيوفه المؤقتين "اللى عايز الدور الرابع يتفضل يا حضرات". خرج جميع الركاب ليتركوه وحيداً فى مصعد المستشفى الذى عاود رحلة الهبوط للدور الأرضى و معه عادت دوامة الأفكار إلى رأسه المكدود. فى تلك الغرفة الصغيرة الممتدة لأمتار قليلة و التى قضى بداخلها اكثر من نصف عمره بدت اللحظات ثقيلة و الحياة براحبتها بدت أمامه كعلبة صغيرة ... كل شىء فى حياته صار معلباً بلا طعم إلا من الهموم والأحلام المؤجلة!!
هذه أول قصة قصيرة أكتبها ... القصة جائتنى من وحى مصعد أستقليته لزيارة أحد الأقارب فى مستشفى حكومى.