الاثنين، 25 يونيو 2012

سامع ام شهيد بتنادى من هايجيب لى حق ولادى؟َ!

الورد اللى فتح فى جناين مصر
(1)

على الرغم من الإحباط الذى كان يسيطر على مشاعره فى تلك اللحظة, كان يتحرك كالفراشة و يتحاور فى رشاقة معتادة مع من حوله. الجميع كان موجود فى الميدان و فيما يبدو قد توحدوا تحت راية واحدة على غير عادة الشهور الأخيرة. كان ضرورياً أن يتوحد الجميع مرة اخرى لأن الحوادث السابقة كلها أثبتت أن القوة فى الوحدة و لا شىء أخر غير ذلك.


كان السؤال المسيطر على المشاعر الملتهبة, و ماذا بعد؟ و على الرغم من إختلاف المشارب كان الهدف واحد و وحيد, الا رجعة و لا عودة إلى ما كنا عليه.


كان الجميع فى إنتظار المسيرات القادمة من مناطق مختلفة لتلتحم فى لحمة الميدان الذى ألتهب بعد حكم المحكمة الغريب على المخلوع و عصابته. الكل كان يشعر بفداحة المسئولية و بدا كما لو أن الثورة قد ولدت من جديد.


تحرك فى إتجاه كوبرى قصر النيل حينما سمع أن هناك مسيرة قادمة من هذا الإتجاه قاصدة ميدان التحرير. أصبح على أعتاب الكوبرى و تحديداً امام خيمة الثورة السورية. فجأة تسمر مكانه!! كانت واقفة هناك و قد إتشحت بالسواد و قد بدا عليها التعب و الحسرة, بدت و كأنها أكبر من عمرها بكثير. وقف إلى جوارها شاباً و فتاة و على إستحياء حاول الشاب تطيب خاطرها. بينما وقفت الفتاة بحياء محاولة كبح جماح دموع تفلت بعضها على وجنتيها الغضتين. ظن لأول وهلة أن الفتاة أبنتها و لكنه تبين بعد ذلك أنها كانت بصحبة ذلك الشاب و أستوقفهم حال تلك المرأة محاولين مواساتها فى مصابها الأليم.


شعر بعجز غير مبرر فى تلك اللحظة, فلكم تمنى أن يلقى هذه المرأة أو من هم فى مثل حالها. دأب على تخيل لقائه بإحداهن و كيف سوف يقبل يديها لربما يعوضها ذلك عن فقدان فلذة كبدها. وقف متسمراً فى مكانه و الألم يعتصره من داخله و لم يملك إلا أن يفجره فى علبة العصير الفارغة التى كان ما زال يحملها فى يديه. و كلما إعتصره الألم كلما إزداد ضغطه على العلبة و التى بدت فى نهاية الموقف كقطعة من الورق مشوهة المعالم بعد أن مر من فوقها قطار!!


"أنا ابنى مات النهاردة" إخترقت تلك الجملة أعماق أعماقه على الرغم من تهدج صوت الأم و هى تنطق بها. كادت أن تنهار قواه مع سماعه لهذه الكلمات. شعر أنها أمه و هى تبكى فراقه, اه من تلك اللحظة ما أصعبها عليه. حاول أن يسيطر على دموعه التى يعرف كرمها فى مثل تلك المواقف, و لكن الأمر لم يسلم من بعض الدموع المتفلتة. أصبح يود لو يجرى صارخاً فى كل مكان على هذا الظلم و الغدر البين الذى أصاب الجميع فى مقتل.


ظلت تبكى فى ألم و حرقة و هى تتحدث عن أبنها طالب الطب الذى إغتالوه غدراً فى أحداث الثورة, بالطبع هى ليست أم الدكتور علاء عبد الهادى شهيد أحداث مجلس الوزراء فهو يعرف وجهها جيداً مثل ما يعرف وجوه معظم أمهات و أباء شهداء الثورة.  تحلق حولها الكثير من الناس محاولين تهدئة روعها. أستفزه كثيراً أن يرى الكثير من الشباب و هم يتسابقون لتصويرها بكاميرات تليفوناتهم المحمولة, ود لو يصرخ فيهم, ود لو يقول لهم لا تفسدوا بهاء اللحظة, لا تنتهكوا خصوصية المرأة و دعوها تبث همها لله فى المكان الذى غالباً ما شهد إستشهاد إبنها.


كادت قوى المرأة أن تنهار, فطلب منها بعض الشباب أن تستريح على الرصيف الذى كان واقفاً عليه. أقتربت منه كثيراً و جلست على مقربة منه. لفت إنتباه أنها تنظر إليه بين الفينة و الأخرى طوال الوقت و كأنها تستجديه. أصبح مكبلاً بألامه و نظرات الأم المكلومة فى أبنها, كم تمنى أن يرتمى فى أحضانها و أن يبكى كلاهما بحرقة. لا يعلم على وجه التحديد ما الذى كبله, حدث نفسه ربما ذنوبه منعته من لحظة يتطهر فيها و يهون فيها عن أمه التى لم تلده!!


ظل وجه المرأة و الموقف بأكمله يطارده ليلأ و نهاراً. أصبحت زيارته للميدان مصحوبة بتجدد ذكريات الموقف فى عقله. أصبح يشعر ببشاعة تهافت النخبة على المناصب بينما دموع الأمهات لم تجف بعد و أنات الأباء تمزق الضلوع. أصبح يشعر بالألم لأن المصاب فادح و القصاص و العدل لم يريا النور بعد.
.....
(2)
اليوم تاريخى فلقد إنتظره المصريين كثيراً, اليوم هو الرابع و العشرين من يونيو لعام 2012. اليوم هو إعلان نتيجة أول رئيس منتخب لجمهورية مصر العربية. الأعصاب مشدودة و الأجواء مشحونة والإشاعات المتواترة كثيرة. خرجت لجنة إعلان النتيجة متأخرة عن موعدها كعادة المصريين فى أغلب أمورهم. بعد خطاب طويل و ممل من رئيس اللجنة العليا للإنتخابات الرئاسية تم إعلان اسم محمد مرسى كأول رئيس للجمهورية.


ارتجت مصر بالأفراح و بدا أن تلك الليلة سوف تكون الإحتفالات صاخبة فى الشوارع و فى كل مكان. ميدان التحرير قد إمتلىء عن أخره, و هو بالفعل ممتلىء من بداية اليوم. الكل سعيد و مبتهج فى مشهد لم تشهده مصر من قبل, حتى فى يوم تخلى المخلوع عن صلاحيته لم تكن الفرحة بتلك الدرجة.


كان فى طريقه لعبور الميدان فى إتجاه شارع عيون الحرية" محمد محمود سابقاً" كان برفقة شقيقه الأصغر و صديق له. بينما هم على أعتاب الشارع وجد لافتة عليها صورة  عريس الثورة, الشهيد "أحمد ايهاب" و هو يرتدى بدلة فرحه و فى أسفلها ورقة بيضاء صغيرة مكتوب عليها "أسرة الشهيد أحمد ايهاب" يحملها شاب و بجواره سيدة محتشمة و ترتدى ملابس أنيقة. صرخ فى رفيقيه, "أم الشهيد أحمد اهيه" يبدو انهما لم يفهما ما قاله او ان المفأجاة سمرتهم فى أماكنهم. جرى ورائهم و أوقف الشاب و سأله عن صلة قرابته بالشهيد فأخبره انه ابن خاله و هذه السيدة هى أمه. كانت منشغلة بالحديث مع سيدة شابة اخرى يبدو انها كانت فى إنتظارها و ان ام الشهيد قد تأخرت عليها. رأى على وجهها إبتسامة رضا باشة جميلة, صرخ الشاب "عمتو دول أصحاب أحمد" شعر وقتها بالرجفة تسرى فى جسده اقترب منها و قبل رأسها فى صمت ثم قال لها" لم يكن لى الشرف ان اقابل ابنك من قبل". هزت رأسها فى صمت بعد نظرة متفحصة لوجهه ثم أرتسم على وجهها ابتسامة أمراة راضية بقضاء الله و قدره. عاد إلى بيته ثم فتح الفيس بوك ليجد على إحدى صفحات الفيس بوك ان الشاب الذى كان مع ام الشهيد  قد كتب على صفحته " ان ام الشهيد لم تعرف الابتسامة طريقاً الى شفتيها منذ رحيل أحمد إلا اليوم".


أنا خصيمك يوم القيامة يا دكتور مرسى إن لم تقتص القصاص العادل لشهداء ثورة مصر الذين بفضل الله ثم بسببهم أصبحت رئيساً لمصر


أم الشهيد أحمد ايهاب- ميدان التحرير 25 يونيه 2012