الجمعة، 1 يناير 2016

موسم تساقط الأقنعة

(1)
هذه رسالة مفتوحة أكتبها لنفسى لأقرأها فى عالم أخر و فى زمان غير الزمان. أنا على يقين إننى فى يوم ما, لا أعرف متى هو تحديداً, و لكننى حتماً حينما أقرأ هذه الرسالة سوف أبتسم أيما أبتسامة و سوف يشرق وجهى أيما إشراق و سوف أشعر بالفخر لأننى لم أستسلم . أنا على يقين و ثقة بالله بأن اليوم الذى تمنيته و حلمت به دائماً سوف يأتى. قصر أو طال الوقت و فى سبيل ذلك سوف أبذل كل غالى و نفيس, و لن أمل أبداً حتى تطلع الشمس من مغربها أو تغرغر الروح.....

 
(2)
أكتب هذه الكلمات و عام 2015 يلفظ أنفاسه الأخيرة. حينما أنظر إلى الوراء, إلى سنين عمرى المنقضية و التى تخبرنى أننى أقترب بسرعة من الأربعين ربيعاً. أجد أن عام 2015 هو الأهم و الأعظم على الإطلاق فى سنين عمرى كلها. هذا العام جاء بعد إحباطات أستمرت على مدار 5 سنوات سابقة بدون توقف. و كانت ذروة الأحباط فى عام 2014 المحبط للغاية. كل شىء فى هذا العام أحبطنى حتى النخاع و ترك فى نفسى ندوب و ودايان عميقة من خيبات الأمل. فى تلك الفترة سقطت الكثير من الأقنعة, يستوى فى ذلك أقنعة كانت على وجهى أو وجوه كثيرة ممن حولى.


(3)
أعظم ما عرفته عن نفسى فى عام 2015, أننى بداخل من العزم و القوة ما لم أكن أتخيله من قبل. كل الأشياء كانت تبدو على عكس رغبتى. كنت أشعر أننى أدور فى فلك ليس بينى و بينه أى إنجذاب و لكن لا يمكننى الأنفلات منه فى علاقة أشبة بعلاقة الحديد بالمغناطيس. كان أمامى خيار من إثنين إما أن استسلم لهذا أو ان انتفض و أغرس أخر فسيلة فى يدى و كأن الساعة قد شارفت على القيام. فى هذا العام فعلت ما قد أستطاع أن يفعله الكثير غيرى و ليس الإعجاز فى ذلك و لكن قياساً على حالة الإحباط التى كانت تحيطنى صرت كمن إنتفض بعد أن إنهال عليه تراب داحس والغبراء و الفراعنة و كل الحضارات القديمة مجتمعة. سوف أظل أتذكر هذا العام و كأنه بداية التأريخ لعودة نفسى إلى نفسى بعد سنوات عجاف, نفسى التى أحب فيها القتال و عدم اليأس و العزيمة و الإصرار. فى هذا العام سقط عن وجهى قناع طننت أنه سوف يظل يلازمنى لفترة طويلة. ومع نهاية هذا العام أشعر بنهاية مرحلة تقطر ألماً و كمداً, و أرى نفسى على أعتاب مرحلة جديدة فى حياتى أكثر إشراقاً إن شاء الله.

(4)
لا تسأل عن الأسباب أو كيف سوف تمضى الأمور, فقط أفعل ما ينبغى عليك فعله و أترك التدبير لرب التدبير. فرب الأسباب سوف يهىْ لك و يدبر لك ما فيه خيرك... أطمئن. أذكر أنه فى الربع الأول من عام 2015 أن سخر الله لى أمرأة لم يخطر ببالى أو ببالها هى من الأساس أن نلتقى, عوضاً عن أن تساعدنى فى أمر شخصى. وقتها تعجبت بشدة من تدبير الله. هذه المرأة لم ألتقيها فى حياتى قط, و الأعجب أنها جائت من بلاد بعيدة, و لعل الله قد ساقها لى لتقضى لى حاجة ما ثم بعد ذلك إنقطعت علاقتنا!! ... أبعد كل ذلك تقلق؟

(5)
مما تعلمته فى الفترة الأخيرة, أن اركز على نفسى وأن أربيها و أقومها و أعدل أخطائها إذا أخطأت و أن أرممها إذا انكسرت أو تألمت ولا مانع من بعض التدليل لها حتى لا تمل. أنا بطبعى لا أحب أن القى أى فشل أو سوء أداء على حجة الظروف أو الناس أو غيرها من الأسباب. ثم مؤخراً أضفت علي ذلك, الا انشغل بالناس أو الوم انقطاعهم عنى. من يعرفوننى عن قرب يعلمون أننى استعمل الفيس بوك بشكل مكثف.ذات مرة حكى لى مرة أحد أصدقائى الأعزاء, انه وضعنى على قائمة الأصدقاء المقربين بحيث يخبره الفيس بوك بأى تحديثات أقوم بها. و لكنه أضطر بعد فترة قصيرة أن يحذفنى من هذه القائمة لأننى كنت أقوم بعمل كثير من التحديثات فى اليوم الواحد وصلت حتى 25 تحديث على حد قوله, بالطبع ضحكت حينما حكى لى هذه القصة. الأن و قد أنقطعت عن الفيس بوك لمدة دامت 3 أشهر تقريباً أو يزيد قليلاً لأسباب شخصية و اقتصر إستعمالى له على متابعة بوستات الأخرين فقط. و هذه فترة ليست بالقصيرة أبداُ على شخص غزير الأستعمال للفيس مثلى. ما تعجبته فى البداية أنه لم يلحظ أحد ذلك, فى البداية أحزننى هذا و لكن مع الوقت سقط قناع أخر عن نفسى و أدركت ان كل الناس لديها ما يشغلها. قلت لنفسى أتذكر فلاناً الذى مات قبل فترة ليست قصيرة و كم حزنت عليه كثيراً؟ حدثنى بربك ماذا حدث بعدها؟ أنا أسألك انت هل توقفت حياتك؟ أو تعطلت مشاريعك أو أحلامك؟ قد تكون حزنت لفترة, و لكن حياتك لم تتوقف. و هكذا كل الناس فلا تلوم على فلان أنه لم يسأل عنك أو لم يتفاعل مع امور حياتك الشخصية السعيد منها أو المؤلم. وقتها أتخذت قراراً ألا أنتظر من أحد أى شىء ليس كفراً بالناس, و لكن تأكيداً للتوكل على الله ثم للإعتماد على النفس.

(6)
فى 2014 خرج من حياتى أشخاص كثيرين و لا أظنهم سوف يعودون, هم أختاروا ذلك بتصرفاتهم و أفعالهم. أنا لا أدعى او أنسب لنفسى فضل أو معروف, و أعلم إننى بى من العيوب و الخطايا الكفيلة بأن أشغل بها نفسى دوناً أن أنقب عنها عند الأخرين, فضلاً عن أقيم أشخاص. و لكن تظل العلاقات الأنسانية بعمقها و غزارة مشاعرها السلبية منها و الإيجابية تحتاج إلى تقييم كل فترة من الزمن. فى هذا العام سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه كانت تدعى محبتى. سقطت كما تتساقط أوراق الشجر فى الخريف. كانت خيبات الأمل كثيرة كزخات المطر. هذا العام بأحداثه و شخوصه, أحدث تغيراً جذرياً فى تفكيرى و طريقة فهمى للأمور. تعلمت أشياء كثيرة عن نفسى لم أكن أعرفها من قبل. أصبحت أكثر قدرة على مصارحة نفسى بأخطائها و خطاياها. عرفت من أين ينفذ الأخرون إلى و يستغلوا ذلك أسوء إستغلال لصالحهم. تعلمت الكثير و أكثر مما كنت أظن إننى أعرفه عن البشر.

(7)
من نعم الله الكثيرة على إننى دائماً ما أضع نفسى مكان الأخرين. اعرف جيدا ان كل موقف او فعل يصدر من أى إنسان, بالتأكيد له فيه أسبابه. و لأننى أحب أن يعاملنى الناس بالصبر و الحلم على بعض تصرفاتى التى قد تبدو مزعجة لهم, فإننى أضع نفسى مكانهم حينما يصدر منهم أفعال لا تروقنى. و بناء عليه أتحمل الكثير من أخطائهم و سقطاتهم, متفهماً إنها طبيعة بشرية, أصابتنى قبل أن تصيبهم. و إستكمالاً لجميل نعم الله علي, إننى أمنح لمن يخطىء فى حقى الفرصة تلو الفرصة.و لكن...
فى تلك اللحظة التى أتخذ فيها قرار أنهاء علاقة مع شخص. لا أظنه سوف يعود من جديد إلى حياتى. هذا ليس من قبيل الجبروت, لا, و لكننى حينما يخرج شخص من حياتى, أكون قد تأكدت تماماً أنه قد أستنفذ رصيده لدى و إننى قد صبرت عليه كثيراً, و أنه لم يعد أمامنا مجال إلا أن يمضى كلاً منا فى طريقه.

(8)
اللهم أرحم و اغفر لأخى و صديقى الشهيد محمود رابع (نحسبه كذلك و لا نزكى على الله أحد), كنت وفياً لى فى حياتك و مماتك. لا يمكن بأى حال من الأحوال أن أنسى الرؤية الوحيدة التى رأيتك فيها, و التى كانت واضحة كفلق الصبح. فى تلك الرؤية رأيت إشارة ربانية لم أفهمها وقتها, أو ربما قد أكون تغافلت عنها (اللهم اغفر لى ذلك). وقت هذه الرؤية, كنت مقدماً على خطوة هامة و مفصلية فى حياتى, كانت الأشارة أن هذه الخطوة غير صحيحة. وقتها كنت قد وضعت ثقة مطلقة فى أشخاص و كنت مغمض العينين تماماً و هذا ما لم أعهده عن نفسى. كل الأمور فى حياتى تخضع لتدقيق و تخطيط قد يصل إلى حد الملل يستوى فى ذلك الأمور الكبيرة المصيرية و الأمور البسيطة كالتخطيط لخروجة مع الأصدقاء على سبيل المثال. فى هذه اللحظة تعطل جهاز التخطيط فى عقلى, أخذت مع هؤلاء الأشخاص خطوات و قرارات مصيرية فى فترة قصيرة,  و وضعت ثقة فيهم لم أضعها فى أحد من قبل قط. بحت بأسرار و خفايا عن حياتى لهم ظناً منى أنهم قد صاروا جزء منى و أنهم أولى الناس بمشاركتى طموحى و أحلامى. و بكل بساطة أستباحوا حياتى و أحلامى, بل و سخروا منها. حقيقة أنا لا أعرف لماذا فعلت ذلك بنفسى, و أنا أسرارى عندى عزيزة جداً, ربما كنت تعبت من حملها و أردت أن يحملها معى البعض, و لكنهم احبطونى حتى النخاع.... شكراً لكم فلقد علمتمونى أهم دروس حياتى.

(9)
يقولون أن الناس نوعان نوع كثمرة المانجو و أخر كثمرة جوزة الهند. الناس التى توصف بأنها كثمرة المانجو, هى أناس تتميز بحلاوة الطباع من الخارج و سهولة النفاذ إلى قلوبهم و مشاعرهم, و لكن يظل بكل حال من الأحوال من الصعب النفاذ إلى أعماق هذه الشخصيات الصعبة من الداخل كبذرة المانجو. أما الأشخاص التى تشبه ثمرة جوز الهند فهى صعبة التقرب و النفاذ إليها و لكن إذا استطعت النفاذ إليها سوف تستمع بحلاوة شخصياتهم من الداخل. أتصور إننى فى الفترة القادمة سوف أكون مثل ثمرة جوز الهند. لن أسمح لأناس جديدة أن تقتحم على حياتى إلا بعد فحص و تمحيص و تدقيق شديدين. فكل من نفذوا إلى قلبى بسهولة كالوا لى الأذى ألواناً و أشكالاً.

(10)
لا تسمح للأشياء السلبية التى تستنفذ طاقتك النفسية و الذهنية أن تستمر فى حياتك كثيراً, يستوى فى ذلك الأشخاص و الأماكن.... إنتهى

(11)
من أهم ما تعلمته فى السنوات السابقة, هى أن تهتم بما يراه الله منك و لا تتفاعل أبداً مع يعرفه الناس عنك. فربما يراك الناس ملاكاً من السماء, و لكن الله يرى فيك من السوء الكثير, فقل لى ماذا أفادك ذلك؟

(12)
من أجل ما أحلم به سوف أحرك الجبال, أو أموت و أنا أحاول.....

(13)
و ماذا بعد؟...
أرايت ما أنت فاعله و ما كنت تفعله, أرايت ما حلمت به و ما زالت تؤمن به.. عض عليه بالنواجذ و لا تمت إلا عليه. إن رأيت كل الناس يسيرون فى وادٍ و لم يبقى إلا أنت وحدك فى هذا الواد فلا تفتر أو تضعف. إجعل من كل إنكسار بداية و من كل نقطة ضعف إنطلاقة. لا تنشغل بغير ما أنت فاعله, و لا تطمح فى غير ذلك. ليس هناك حجة أو عذر فأبو أيوب الأنصارى رضى الله عنه لم يترك لمثلك حجة أو عذر...

(14)
و غداً.... سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً
يوقد النار شاملةً
يطلب الثأر
يستولد الحق من أضلع المستحيل


(15)
و فى النهاية....كتب الله سبحانه و تعالى على نفسه العفو و المغفرة عن ذنوب عباده, و هذا ما يليق بمقام حضرته و جلاله, فهو المتفرد بالألوهية والجبروت و مظاهر القوة كلها. و لذلك و لأنه أقوى من كل خلقه و يعلم كم أن الإنسان ضعيف, كتب على نفسه أن يغفر لعباده. و لذلك كان من جميل الصفات فى عباده المؤمنين العفو عند المقدرة (اللهم إجعلنى منهم). و لذلك من كل قلبى أقول....
اللهم أغفر لكل من ظلمنى...
اللهم أغفر لكل من خاض فى عرضى و فى سيرتى...
اللهم أغفر لكل من سمع عنى و لم يسمع منى ثم أطلق لأحكامه العنان...
اللهم أغفر لكل من أطلق على أحكام بدون سابق معرفة جيدة بشخصى أو بطباعى....
اللهم أغفر لكل من محا كل جميل أو معروف صنعته له, فنساه فى موقف منى هو فى وجهة نظره خطأ, و لم يمنحنى الفرصة أو الوقت لأشرح و أوضح له دوافعى و مبرراتى...
اللهم أغفر لكل من خيب ظنى و غدر بى...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق